الوحدة 7-12-2021
يُشكل مستقبل الأبناء الهاجس الرئيسي لمُعظم الآباء وخصوصاً في ظل الظروف الحالية والأزمات المعيشية الطاحنة حيث اشتد التنافس والتناحر في مختلف مجالات هذه الحياة القاسية، وقلما يعترف الآباء بأنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية في فشل أبنائهم على الرغم من أنهم قد يكونون في بعض الحالات السبب الرئيسي لهذا الفشل وكمثال واقعي على هذه الحالات هي النتائج المدرسية للأبناء والتي تكون عكس ما كان يتوقعه الأهل ولذا يقع عندها لهيب اللوم كل اللوم عادة مصبوباً على الأبناء لأنهم لم يجتهدوا بما فيه حد الكفاية ومقتضى الحال، ولعله من المُلاحظ أن اهتمام الكثير من الآباء بنتائج الأبناء الدراسية قد يبلغ حداً يُنسيهم الاهتمام بالأبناء أنفسهم كما لو أن هذه النتائج في نظرهم أهم من فلذات أكبادهم وفي مثل هذه الحالة يشعر الابن أن حب والديه له وعطفهما عليه مرهون بنتائجه الدراسية مما يجعل علاقته بوالديه مُعرضة دائماً للاهتزاز وعدم الثبات مع الشعور المترافق بحالة طاغية من الهلع والإحباط والخوف الشديد من إمكانية فقد حب وعطف الوالدين بسبب عدم تحصيل النتائج المطلوبة والعلامات المرجوة المُنتظرة من الأهل، مع الانتباه إلى أن جوهر هذا الموضوع يُصبح في نظرة الوالدين للابن كمشروع لم يكتمل حتى الآن ويُنتظر تحقيقه كما ويُنظر إليه بمنظار الربح والخسارة كما لو كان ملكية فردية وليس إنساناً له جملة مشاعر وأفكار ومواقف وبالتالي هيئة شخصية مستقلة ومتميزة.
يكتشف الابن من خلال علاقته بوالديه ونتيجة لاهتمامهم المُبالغ فيه بجهوده في مجال دراسته أن النتائج المدرسية تُشكل بالنسبة له سلاحاً ناجعاً وفعالاً يمكن أن يستخدمه لتحقيق أغراض معينة وتلبية متطلبات لا يستطيع تحقيقها بكيفية عادية، كما ويجد أيضاً بأن مفعول ذلك يجعله في قمة مستوى يُؤهله للتأثير على مواقفهما نحوه وإضفاء جو من الحب والثقة والعلاقة الدافئة بين الجميع بعيداً عن مظهر الاختلال في التوازن بين ما يُكبت في اللاشعور وما يظهر في ساحة الشعور، ولا يخفى على الجميع ملاحظة لجوء بعض الآباء إلى اتخاذ سلوك موقف اللامبالاة من الأبناء عند وقوع هول المفاجأة بنتائجهم المتدنية كأن يتفادون الحديث معهم والاهتمام بهم وتعليق كل الكلام الأبوي المُفعم بالحب والحنان كتعبير عن عدم الرضا عن هذا الوضع ولعل مثل هذا الموقف يُماثل في سلبيته موقف التأنيب والزجر والتهديد والوعيد والتجريح الذي يتخذه البعض من الآباء إزاء الأبناء مع مرارة شعورهم بتأثير جو الإحباط وخيبة الأمل.
من المُلاحظ بدقة بأن أغلب التلاميذ لا يُعدون لاستيعاب العلم وشتى صنوف المعرفة وسُبل مواجهة الحياة بقدر ما يُعدون للنجاح في الامتحان كونه أصبح الهاجس المخيف المُسيطر على أذهان التلاميذ وعقول الأهل في آن واحد، وإذا كان النجاح في الامتحان هو الغاية الرئيسية وليس العلم فلا مانع إذن في هذه الحالة من وجهة نظر الطالب باللجوء إلى مختلف أشكال الوسائل المُتاحة لتحقيق هذا النجاح اعتقاداً بأن الامتحان هو الحد الوحيد الفاصل بين النجاح والفشل واقتباساً من رُوحية معنى المقولة الشهيرة القائلة (عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان) وإيماناً بأن عدم النجاح في الامتحان يعني المهانة والمذلة واحتقار النفس وكذلك انكسار الذات وغير ذلك، ويُشير عدد كبير من الباحثين إلى أن نمط الخطاب التدريسي وواقع صور التعليم المدرسي يظل بوجه عام مُحملاً بألوان القيم والمفاهيم وحتى الأنماط السلوكية نفسها السائدة في زوايا المجتمع مع ملاحظة عدم تحقيق المدرسة للدور المطلوب منها في تكريس العقلانية في الألباب.
د. بشار عيسى