الوحدة 30-11-2021
يتطلع المستهلكون في غمار أمواج هذا البحر الاستهلاكي المُفرط أكثر فأكثر إلى الحصول على نوعيات سلع أكثر حداثة وتقنية بينما على الضفة الأخرى المقابلة يسعى عموم المنتجون في لهاثهم الدائم لحفز الطلب بقوة حتى ولو كان ذلك على حساب النوعية في بعض الأحيان، ويُعد النمط الاستهلاكي المُفرط أحد أبرز وأدق الأسباب الرئيسية في تضخيم الإقراض الاستهلاكي بوتائر سريعة وعلى نحو مبالغ فيه ولا يتناسب البتة مع جملة مداخيل معظم الناس ومدى قدراتهم الشرائية، ويُعتبر المُستهلك المُعاصر أكثر تطلباً وولعاً بكل ما هو جديد في عالم السلع فهو يُطالب كل يوم بشيء جديد وفي لمحة استعراض مستفيضة لعالم التجارة اليوم يُلاحظ أن ما يتصدر كل الأسواق في هذه الأيام في صور شتى المجالات هي نوعية الشركات التي تنجح أكثر من غيرها في تلبية متطلبات المستهلكين وذلك من خلال صور التجديد المتواصل والتنويع المتزايد لتشكيلة سلعها إضافة إلى سرعة تأقلمها في مجاراة التبدل في رغبات وميول المستهلكين وأذواقهم وبالتالي دراسة التحولات والتبدلات في سلوك الفرد المُستهلك وصولاً إلى اتباع أسرع الطرق وأقصرها في عملية طرح السلع الاستهلاكية المرغوبة في شتى الأسواق وهكذا وفق هذه الآلية في وتيرة الإنتاج والاستهلاك تتبلور سمة رئيسية من سمات الاقتصاد المُعاصر المعولم.. اقتصاد المعرفة و ثورة المعلوماتية و تكنولوجيا الاتصالات وفضاء التواصل الاجتماعي.
يعود سبب التجديد الحثيث والمُتسارع في أشكال ومكونات السلع الاستهلاكية كسمة أساسية وكذلك مركزية لسياستها الإنتاجية والتسويقية إلى تبدل سلوك المُستهلك في السوق والذي يؤدي بدوره إلى تسارع الاستهلاك بوتائر لم يسبق لها مثيل حيث تضاءلت فعلاً مدة استهلاك الأشياء إلى حدودها الدنيا و مما لا شك فيه بأن تضاؤل دورة حياة المنتج يقابله قلة اهتمام عند المستهلك فمع وجود الآلاف من أصناف المنتجات الاستهلاكية الجديدة والمُتدفقة لكل الأسواق فمن الطبيعي حينها توقع نفاذ صبر المستهلك بسرعة لأن الفترة ما بين الرغبة و الرضا تتقلص بشدة مع تزايد توقعات عموم المستهلكين بقرب طرح مجموعات أكبر وأحدث وأجود من المنتجات والخدمات ويُلاحظ الناس اليوم بأنه لا يكاد يجد المستهلكون بكل فئاتهم الوقت الكافي لتجربة تقنيات متطورة وخدمات جديدة حتى تظهر حزمة أجيال أكثر تطوراً من سابقاتها لتلبية أغلب متطلبات الإنسان المُعاصر النفسية والثقافية والعاطفية وحتى الافتراضية أيضاً.
أصبح إنتاج المزيد من تعداد الحاجات الاستهلاكية الجديدة وكذلك المتجددة باستمرار وإغراق الأسواق بها في أوقات قياسية هو بحق السمة الرئيسية لتسارع عملية الاستهلاك وتغير جوهر السلعة وتجاوز طبيعتها المادية حتى أصبحت تُوصف بأنها ليست كل ما يُنتج وإنما أغلب ما يُستهلك، وقد أخذ التسويق يتحول إلى إطار محوري في ظل ضوء العلاقات المباشرة وغير المباشرة القائمة بين المنتج والمستهلك وبدا جلياً للعيان بأن توجيه المستهلك أضحى بالفعل هدفاً للنشاط التجاري المُتسم بالأهمية والإلحاح مع أهمية أن تكون لدى المنتج القدرة على تملك اهتمام المستهلك وتوجيهه وإدارة أدق التفاصيل في حياته اليومية ونمط معيشته وحتى ضمن ميدان علاقاته الاجتماعية، وقد جعلت تقنية المعلومات الجديدة في خضم الاقتصاد الحالي من تسليع العلاقة المستمرة مع المستهلك أمراً ممكناً وصارت العملية التجارية تبدأ بالمُستهلك وتنتهي بالعملية الإنتاجية ضمن هيكلة منظمة للعلاقة التسويقية المُسماة بالوظيفة الفريدة والأكثر تميزاً لقطاع الأعمال التجارية والتي تُعتبر أيضاً هذه الأيام العامل الحاسم والأكثر أهمية كونها تُحدد طبيعة الإنتاج على نحو يتماشى مع الرغبات المنشودة وعموم الاحتياجات المطلوبة.
د. بشار عيسى