التمني رأسمال المفلسين

الوحدة : 25-11-2021

ليس الغرض من الحكاية مجرد السرد للمتعة فقط، وإنما لإحياء المثل الشعبي من خلال حكاية أدت إلى ظهور المثل فاستمر هو وغابت الحكاية، فكان لا بد من التذكير بها.
يقال هذا المثل في من يعيش أحلام يقظة لا تمت للواقع بصلة وحين يعود إلى الحقيقة يدرك مدى الفشل الذي يعانيه.
الحكاية… اعتادت امرأة الذهاب إلى المدينة كل صباح حاملة معها أكواماً من الحطب الذي تجمعه من البرية لتبيعه للأفران المنتشرة هناك.
كانت فقيرة وحيدة لا معين لها، تسكن داراً خربة عضها الزمن بأنياب التداعي فأحالها ركاماً.
كان التقاط الحطب وحمله إلى المدينة مهمة شاقة على امرأة من حقها أن يكون لها بيتها الذي تعتني به وأولادها الذين يملؤون عليها حياتها فرحة وسعادة وعلى الرغم من أنها تفوق غيرها من النساء المتزوجات حسناً إلا أن الشبان كانوا يعزفون عن الزواج بها لاعتقادهم بأن المرأة التي تخالط الناس كثيراً تسوء سمعتها، وخلال إحدى مسيراتها إلى المدينة ذات صباح سألت نفسها: لماذا أبيع الحطب للأفران ولا أبيع الحليب للنساء في المدينة؟
فهو عمل شريف ينحصر بنا نحن النسوة ويدرً عليً مالاً وفيراً أستطيع به أن أحقق أحلاماً كثيرة سأطرح فكرة بيع الحليب على نساء القرية وسأتقاسم وإياهن الأرباح وابتداءً من هذا المساء سأحقق العمل الذي أريد.
في صباح اليوم التالي سارت المرأة باتجاه المدينة وعلى رأسها قدر مليء بالحليب الذي استلفته من جاراتها، وأكدت لهن بأنه سيأتي بالمال الوفير.
وفي طريقها للأمل الذي ترغب في تحقيقه قالت لنفسها سأبيع كيلو الحليب بدرهمين، إن تبقى منه شيء للمساء سأبيعه بدرهم واحد، وسأجني نقوداً كثيرة، وسأشتري نعجة بيضاء وأتركها ترعى في حقول القرية، وستنجب خرافاً جميلة تركض خلفها، وسأشتري دجاجاً أيضاً وسيفقص صيصاناً تكثر وتكثر وتملأ الدار، وعندما تزداد أموالي سأشتري قطعة الأرض العالية في القرية وسأبني عليها بيتاً جميلاً وسأسوره بالأشجار والورود وسأجعل بوابته من الخشب الأبيض ونوافذه زجاجية تدخلها الشمس صباح مساء وسأصبح مرغوبة في أعين الشبان العازبين وسيأتون إليً بالعشرات يطلبون الزواج بي وسأرفضهم جميعاً ولكني سأقبل الزواج بقريب جدي سأتزوج الذي رآني مرة في الحقل وقال لي (يا حلوة تزوجيني) يا أم الخدود المحمرة يا حلوة جننتيني وتزوجته وأنجبت منه مجموعة من الأولاد فهد وشاهين وشاهينة وروز ودعيبس ومراد حتى صاروا دزينة يملؤون الدار صراخاً وضحكاً وجلبة فلا يستطيع دياب أن ينام وينهض صارخاً بهم فأضحك من طريقة غضبه ويحاول أن يلحق بي ليضربني فأختبئ تحت سقيفة الدرج وفي هذه اللحظة تعثرت رجلها بحجر في الطريق ووقعت فانسكب الحليب على الأرض وراحت تضرب كفاً بكف وتبكي صارخة وين روز وين دعيبس وين مراد راح عقلها بهذه المصيبة وصادف أن مرً بها بعض الفلاحين الذين كانوا يقصدون المدينة ويعرفون أمنياتها وأحلامها فأشفقوا عليها عندما رأوها جالسة تردد بقايا حلمها الذي انسكب على الطريق فقال لها أحدهم (التمني رأسمال المفلسين) يا ابنتي لا تحسبي قبل أن تقبضي..

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار