الوحدة 19-11-2021
بهذه الجملة بدأت السيدة ميساء، معلمة، حديثها تشكو لنا دون بكاء أو قطرة ماء تنزل من بين جفونها وتقول: قلنا لا ماء في الصيف وهو عذر مقبول بامتعاض، فالكل يريد الاستحمام والشطف ورش البيوت وأروقة الدار بالماء لأجل التبريد والانتعاش, لكن أن يكون ذلك في الشتاء أيضاً فهو أمر عجيب لم نعهده في السنوات الماضية والعجاف.
طوال فصل الصيف ونحن نشتري الماء للشرب والغسيل، نحن من يسكن في ضاحية بسنادا, والخزان ب10آلاف ليرة سورية فقط وكنا مضطرين, إذ لا يمكن أن يمضي يوم دون استحمام وغسيل ليكون المصروف فوق طاقة الاستيعاب ويقضى على الراتب بضربات متتالية ورشقات أو لكمات على الوجه بلا حراك (فوق الموتة عصة قبر) وتحايلنا على الوضع كثيراً فمرة نأخذ غسيلنا إلى بيت أهلنا حيث البئر في البستان شلال ومزراب, وأخرى نأخذ الأولاد ونستحم في بيوت إخوتنا ومن توفر عنده الماء في القرى والأطراف, لكن اليوم قلنا إن الشتاء قادم وسيتوفر الماء في الخزانات استبشرنا خيراً علنا نفتح الصنبور ويتدفق الماء جارياً في أنابيب الحمام, لكن يبدو أنها أحلام, فإن أتت في يوم ما المياه إلى البيوت كانت ضعيفة ولا تقوى أن تصل لغير (المجلى) كالخيط وتنقيط, ومن المستحيل أن تطال الخزان, حتى لو أتت الكهرباء لتشتغل كل الديناموات بجوقة واحدة في البناية فلا أحد يفلح بتعبئة خزانه إلا من كان لديه (سراق) فما لي غير أن أضع الطنجرة تحتها وأواني المطبخ كلها لأعبئها وحتى الكؤوس والمقلاة, ولا أدع نقطة تذهب في المواسير, أجمعها لأخزنها طوال الوقت الذي تختفي فيه المياه من الحي, فترين المطبخ ليس فيه مكان لوضع قدم كما أننا لم نعد نطبخ إلا قليلاً ولم تعد تصلح الطناجر غير لتعبئة الماء, فأسعار الخضار واللحوم والبيض نار كاوية ولا يتوفر غاز ولا كهرباء, والأفضل أن نأتي بفلافل وحمص من الدكان ونستر الحال ونكمّ الأفواه الصغيرة بقولها الحمد لله, لكن زوجي إلى اليوم لم يعتد على الوضع والمقام ومقالي له ماء, فما إن يدخل باب المطبخ ويرى الطناجر على الغاز حتى يتوشح وجهه بابتسامة عريضة وينطلق الكلام من حنجرته جارياً بريقه (آه.. ماذا طبخت لنا اليوم) فأسكت وليس مني جواب, وإن كشف الغطاء عنها تهمد شهيته ويرجع مكسوراً خائب الرجاء, وهذا أيضاً ما يكون من الجارات والأقارب إن رأين الطناجر على الغاز لا يتبادر على أذهانهن غير السؤال بما تنضح من طبخ وطعام.
هدى سلوم