وقال البحر الإعلام والتكنولوجيا…

الوحدة : 16-11-2021

يشغل الإعلام مساحة واسعة وحيزاً كبيراً من حياة الإنسان في الوقت الراهن، والذي يعتمد عليه في الحصول على روح المعلومة، وتوفير الراحة الذهنية، والمتعة النفسية، والسعادة الفنية ببعض الأحيان، وتُقدم وسائل الإعلام عامة أفكاراً متنوعة، ورؤى جديدة للأشياء والأحداث تهيئ للإنسان العصري إمكانية الانفتاح على العالم واستقبال شتى صور كل الأحداث المعقدة والأخبار المُتلاطمة ذلك كنتيجة طبيعية للتقدم التقني الهائل والمتسارع في ثورة المعلومات وأساليب التواصل والاتصال، ويُعتبر الإعلام إحدى حقائق هذه الحياة الراسخة وواحداً من أهم قوى تشكيل السلوكيات والقيم الإنسانية والعلاقات الثقافية بما يبثه من آراء وأفكار تتسلل في رفق إلى أذهان شرائح المجتمع فتعمل على تغيير واقع حياتهم وتغرس فيهم قيماً جديدة لتزيح من أمامها أنماط القيم التي درجوا عليها خلال فترات سابقة من حياة المجتمع، و يقوم الإعلام بدور حيوي في نشر ثقافة عامة موحدة بين فئات وشرائح المجتمع الواحد من ناحية مثلما يعمل من ناحية أخرى على التقريب قدر الإمكان بين صور الثقافات المختلفة ويساعد بالتالي على نشر روح الاحترام من خلال التعرف على ماهية الثقافات المغايرة أيضاً وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار الإعلام جسراً يربط بين حياة الأفراد الشخصية والعالم الذي يعيشون فيه بحيث يستطيع المرء أن يرى نفسه من خلال البرامج التي تُبث وتُشاهد على وسائل الإعلام ومنصات التواصل المختلفة، ولا يخفى على أحد بأن للإعلام عدة أدوار يقوم بلعبها وقد تكون مُتعارضة تارة ولكنها تُكمل بعضها البعض تارة أخرى فهو بالنسبة للسواد من العامة مجرد مصدر ترفيه ومعلومات وأخبار عامة وتثقيف محدود ومعرفة سطحية بينما هو بالنسبة لأغلب العاملين في شتى مجالاته ومناحيه مجرد صناعة أو ربما رسالة يقومون بأدائها كمهنة لهم.
مرت تكنولوجيا الإعلام بمراحل عديدة من التطوير والتجديد والتي قد يصعب التكهن بالمدى الذي قد تصل إليه وبالمسارات التي قد تبلغها حتى وصولها لمرحلة قمة التكنولوجيا الرقمية ولا يزال باب التطوير مفتوحاً على مصراعيه، ولقد طرأت على المجال الإعلامي المفتوح للمناقشة والتوجيه والنقد والتعديل مع مختلف الأطراف والأطياف الكثير من التغيرات المتطورة في سرعة الوصول إلى المعلومة ونشرها على نطاق واسع للغاية ولذا فإنه من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه الوضع في المستقبل من حيث معلوماتية الإعلام والتي تُعد ثورة هادئة تجذب إليها الأنظار بدلالاتها المميزة ونتائجها بعيدة المدى وستؤدي جزماً إلى تغييرات جوهرية في لُب موازيين القوى الإعلامية يبرز فيها عنصر الابتكار والإبداع ضمن ساحة مفتوحة تظهر فيها بأجلى الصور تعديلات وتغييرات جوانب الإعلام العصري المُسترشد بالتكنولوجيا الرقمية المتطورة التي لا يقف دون انتشارها وتغلغلها أية قيود أو حتى حواجز.
يُواجه قطاع الإعلام عدداً من المشاكل المُتفاقمة التي تحد من فاعليته ويترتب على ذلك نتائج سلبية تتنافى مع رسالة الإعلام المحورية والأساسية وهي نشر المعرفة على أوسع نطاق ممكن كخطوة للتقريب بين المجتمعات والثقافات ولعل إحدى أهم هذه المشكلات هي الميل المتزايد والكبير للسيطرة على حقل الإعلام وتوجيهه نحو أهداف وغايات ورغبات معينة لتحقيق مصالح خاصة ومحددة سواء كانت مكاسب مادية أو حتى قوة ونفوذ من خلال برامج موجهة في شتى المجالات، وهنا يكمن الخوف من أن يُصبح الإعلام أداة لنقل وتوصيل رسائل مناوئة للثقافة الراقية والفكر المُستنير والقيم الرفيعة، وتُثير هذه التطورات الشكوك حول دور الإعلام (الذي يعتبره الكثيرون مزيجاً من مضيعة الوقت وإهدار الموارد المالية) في متاهات الواقع الحالي وعالم الغد في الحفاظ على تراث الإنسان المجتمعي وقيمه الراسخة وعدم التنكر للتاريخ الفكري العريق والثقافي الطويل إضافة إلى رفض بعض الاتجاهات السطحية التي تُسيطر على عدد من السياسات الإعلامية كنزعات أو نزوات عابرة كي تبقى الفرصة سانحة للإعلام للحفاظ على حريته النقية واستقلاله المعهود وهويته الثقافية في مجتمع الغد الواعد.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار