الوحدة : 10-11-2021
هي من قالت:
هناك، أعماق الزرقة البعيدة، حيث موطن الأرواح التي اقتضتها أيدي الفجرة المارقين.
هي من قالت:
إن أغصان تلك الزرقة الكونية قد تكسرت، من كثرة ما حطت عليها طيور تلك الأرواح التي اقتنصتها أيادي الحروب..
هو من قال:
إذن، ليس للملائكة المشاغبين، أي دور في اغتيال تلك الأغصان؟
هي لم تقل شيئاً.
وهو من قال: فوق هذه الأرض، الغابة الشائكة، المحروقة، الخائفة، والكثير من الحطام.. الذي خلفه فوقها تجار وسماسرة الحروب، والذين لا يريدون الموت، قبل تخليد أسمائهم على رخام التاريخ، ظناً منهم أنهم باقون.. لتنهل الأجيال القادمة من آبار فجورهم، الخوف، والتبعية، والانكسار هي من قالت: في التاريخ نفايات كثيرة، وجوف النسيان مقبرتها الأبدية.
هو من قال: (نيلسون منديلا): السيد (بيتر) أستاذ أبيض (بريطاني)، كان أستاذي في الجامعة، وكان يكرهني كثيراً، لأنني أسود.. كان يكره السود كثيراً السيد (بيتر) لا يحبني مطلقاً، فقط لأنني أسود..
ذات صباح دخلت مطعم الجامعة، لدي من الوقت ما يكفي.. ساعة واحدة، قبل محاضرة السيد (بيتر)، لا يحبني مطلقاً، فقط لأنني أسود..
ذات صباح دخلت مطعم الجامعة، لدي من الوقت ما يكفي… ساعة واحدة، قبل محاضرة السيد (بيتر)، أستطيع أن أتناول فطوري.. كأي طالب تناولت صينية من على طاولة المطبخ، ووقفت بالدور، وحين حان دوري، أخذت (سندويشة) من مربى السفرجل، وكوباً من الشاي.. جلت بنظري على طاولات المطعم المكتظ بالطلبة.. لم يكن هناك كرسي واحد شاغر، سوى كرسي على طاولة أستاذي السيد (بيتر) فتوجهت إليها.. وضعت صينيتي وجلست بعد أن استأذنته، ورميت عليه تحية الصباح:
– صباح الخير دكتور (بيتر)
وجلست دون أن يأذن لي، أو أن يرد على تحيتي.. تطلع إليّ شذراً، هزّ رأسه، وقال: كأنك لا تعلم يا سيد (مانديلا) أن الخنزير والطير لا يجلسان معاً.. أعني لا يجتمعان أبداً؟
نعم: أعلم ذلك يا سيد (بيتر)…لا تقلق يا سيد(بيتر) سأطير بعيداً عنك، بعيداً عنك سأطير..
نعم: إن الطير والخنزير لا يجتمعان، ولا يجلسان معاً..
ونهض السيد (منديلا)، حمل صينية طعامه الفقير، وراح يجول بناظريه عن طاولة أخرى، يجلس إليها طائر..
طائر فقط.. لأن الطائر والخنزير، لا يجلسان معاً، أعني لا يجتمعان معاً.
بديع صقور