الوحدة 9-11-2021
من المعلوم بأن للمهنة التي يُزاولها المرء تأثيراً في نمط شخصيته وطبيعة أسلوبه وآلية تفكيره وفي عمق اضطرابه ومرضه الجسدي والنفسي في نفس الوقت، ولا يخفى بأن هنالك أمراضاً مهنية يتعرض لها بعض الأشخاص الذين يُمارسون بعض المهن بنسب تفوق باقي الشرائح، وفي حقيقة الأمر بدقة فإن معدل إصابة المرء ببعض الأمراض الجسدية والنفسية له ارتباط بعدد من العوامل والتأثيرات ومنها العمر والوراثة والعوامل العضوية وصور البيئة الطبيعية التي يعيش ضمنها الإنسان وشكل البيئة، وتجدر الإشارة إلى متطلبات بعض المهن لدرجات عدة من التفكير الذاتي والصبر والمُثابرة وقليل من البرود الانفعالي والانطوائية كحال المهن العلمية والبحث العلمي على عكس بعض الاحتياجات في ميدان المهن الرياضية كصفات التنافس وشكل الاستعراض البدني وصولاً إلى العدوانية والنرجسية، وتزداد القدرات الإيحائية لتساعد على تقمص الأدوار في بعض المهن التمثيلية، وبحالة المهن المكتبية فتزيد معدلات الروتين بوضوح.
يُعتبر الاضطراب عموماً شعوراً باليأس وافتقاداً للأمل المصحوب بانعدام الشعور بالمُتعة ضمن مجموعة كبيرة من صور الأعراض، وفي خضم البحث عن أيسر الطرق وأنجعها لعلاج هذا الخطر فيجب أولاً على المرء ملاحظة عدداً لا بأس به من العوارض بُغية معالجتها والحد من تأثير ذيولها ولعل أبرز تلك العوارض:
– الخمود الحركي والنفسي بشكل يومي.
– المزاج الحاد والمُكتئب طوال الأيام.
– فقد الاهتمام بالأنشطة والمباهج الحياتية.
– الشعور بعدم الرضا والإحساس بفقدان الجدارة.
وبالعودة إلى جوهر العلاقة بين أشكال الاضطراب وعلاقته بالمهنة تبرز بعض الأسئلة التي تحتاج إلى حيز كبير وكاف من الدراسة والبحث ولعل أبرزها:
– هل تُؤدي المهنة من خلال طبيعتها إلى تغير في طبيعة المرء الذي يُمارسها.
– هل يحمل المرء معه إلى مهنته ميولاً واستعدادات خاصة وصفات شخصية تُهيئه لظهور عوارض الاضطراب.
– ما دور ضغوط المهنة ودرجة تأثيرها.
من المُؤكد بأن إيقاع هذا العصر السريع وتغيراته الحديثة ومشكلاته الشائكة وظروف مهنه ومُتطلباتها الشخصية والاجتماعية لها دور كبير في الانتشار الواسع للاضطراب في مختلف الوظائف والمهن، كما أن عموم الإحباطات وأشكال الصدمات المعيشية المُرتبطة بالمهن لها دور بارز في نشوء القلق أيضاً وبالطبع تبقى أمور بعض المهن افتراضية تخمينية بشكل نسبي مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاضطرابات توصيفاً ناتجة عن سوء في التكيف لظروف معينة تتميز بالتوتر والشدة في حدودها المتوسطة وكلما زادت صعوبات المهنة وظروفها القاسية زادت الاضطرابات المهنية انتشاراً وصعوبة، وبينت الدراسات أهمية صفات الشخصية وميولها وقدراتها ومدى ملاءمتها لمهنة معينة واستبعاد مهن أخرى لا تلائمها مما ساهم فعلياً في تطوير آلية قياس الشخصية و اختباراتها، ومع نجاح تطبيق كل ذلك في خضم سوق العمل تبين أن ممارسة المرء لمهنة تتناسب مع قدراته وصفاته تُعتبر أساسية في نجاحه وتكيفه المهني وفي صحته الجسدية وحالته النفسية أيضاً، وفي حقيقة الأمر فإنه نظراً لتغيرات سوق العمل وانتشار مشكلة البطالة فإن مجمل النظريات والدراسات المُتعلقة بنفسية الشخصية واضطرابات المهنة قد واجهت صعوبات إضافية في فهمها للاستعدادات والقدرات التكيفية على حد سواء مما أدى لتغير النتائج وحتى تناقضها في بعض الأحيان، وخير مثال صادق على ذلك هو حالة التنقل من مهنة لأخرى مع وجود فترات من البطالة والتي أصبحت جزءاً طبيعياً ومألوفاً من الصورة العامة للأوضاع الاقتصادية السائدة في الوقت الراهن، علماً بأن صور المفهوم التقليدي النفسي يعتبر بأن تغيير المهنة باستمرار يدل على وجود بعض صفات الشخصية المُضادة للمجتمع مع حالة من الهوس الذاتي.
د. بشار عيسى