الوحدة :7-11-2021
لو تشغل العقول تفكيرها الجبار في تطوير المجتمع وصناعاته وتنمية موارده، والتفكير بما هو موجود وعدم الانشغال في كيفية وجوده ، لأصبح العالم أكثر تقدماً ورفعة بين الأمم.
العلم مصدر الارتقاء الفكري والمجتمعي، وذلك اتباعاً لأول أمر إلهي نزل لنا من الله عز وجل، وهو اقرأ، فقد قدمه الله على العبادات وغيرها من الأعمال، لما لها من أثر عظيم في حياة الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، القراءة هذا الأمر الإلهي الذي بدأ منه نزول القرآن الكريم، جاء ليخرج الناس من الظلمات وبحور الجهل التي كان يغرق بها الناس في ذلك الوقت، ليصلوا إلى بر الأمان الذي كان قاربه المتين القراءة وتنمية العقل وتطويره، وإضاءة العالم بنور الله وهو العلم.
يمتاز العقل البشري بقدرته على التطور والتجدد، ولكن يحتاج إلى وسائل تساعد في ذلك، ولعل من أهمها القراءة بمختلف المجالات، لأن الكتاب يجعل الفرد قادراً على إطلاق وتحرير أفكاره مما يكبلها.
ومناقشة أصحاب العلم والثقافة والأخذ منهم والاستفادة من تجاربهم الفكرية، هو ضوء ينير ظلام الجهل.
عند إيقاف دور العقل تلتبس الأمور ويصبح من الصعب التمييز بين الحق والباطل، فالقراءة تمد العقل بلوازم المعرفة، أما التفكير يجعلنا نملك ما نقرأ.
يحدث القصور في العقل عندما يصبح أسير النماذج الجامدة، وعلى العقل البشري عدم جعل نفسه رهينة الأوهام وأسيراً للهواجس والأساطير غير الواقعية.
إن التفكير الانفعالي المبني على العاطفة المعتمدة على الغريزة الآنية، من دون التحكم بتبعاتها، هو أمر يقود إلى الضلال.
العقل مسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، مؤدياً إلى مواقف وأفعال، الأغلبية الساحقة من الأفكار الدائرة في أدمغتنا تجري بعيداً عن رادار العقل الواعي، إن ممارسة التحكم الانفعالي من دون تبلد أو ضعف خارجي، هو الطريق الأنجح،
وإن إحكام العقل بالرغم من المشتتات الكثيرة في حياتنا، هو الانتصار الحقيقي،
فالأغلبية أصبحت تفسر الحقائق وفق منهجها الخاص، فالآراءُ متداخلةٌ بين البشرِ بحكم العقول المتباينة، والكرة الأرضية تحوي مليارات البشر بمليارات العقول، ولو أن كل عقل استنتج وفقَ تفكيره المبني على تفسيرات شخصية متوافقة مع عالمه الداخلي الذي قد يكون غير متزن، سينتج بذلك خلل كبير في المفاهيم والتفسيرات الخاطئة المعاني، وتشويه للحقائق، ونسف للمبادئ وتدمير للفطرة السوية.
العقول المريضة لا تعرف إلا القضايا السطحية والمناقشة بالأفراد بدل المناقشة بالأفكار، العقول التي تنفعل وتتهيج وعليها تصالح وتخاصم، هي ليست بعقول بل ذات صراعات نفسية داخلية، والعقول التي تتبع هوى نفسها، وتغذيه بكل فكرة تنتمي لذلك الهوى، هي مجرد أهواء وقتية.
لقد تعودنا النقاش في التاريخ المزيف، فلم نعد نعرف القضايا الجوهرية من القضايا السطحية، فعندما يغيب العقل يصبح الإنسان رهينة لأفكار الأخرين وتابعاً لهم دون وعي.
فالطفل الذي يولد بفطرته السوية، ولم يكتسب من والديه أي شيء يخص الدين والمعتقد، ترى هل سيتبع فطرته السوية دون أن يوسمها أحد في عقله وقلبه؟
العقل لا ينمو إلا بإدامة التفكير ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة.
الأنانية وحب الذات والانفعالُ والغضبُ، يشوشُ على العقل.
يقول ونستون تشرشل (إن امبراطوريات المستقبل، هي امبراطوريات العقل)…
إن العقل يذهب ويبقى أثره، وهو خادم مثمر، إن العقل من يجعلك تعيساً أو سعيداً، غنياً أو فقيراً.
إن هذا العصر أقل بنسبة جهله عن العصور السابقة، لكن تختلف صور الجهل، فعالم التكنولوجيا بكافة أبعاده، لم يخفف من حدة الطائفية والعنصرية، ولم يبدد الحروب التي عنوانها هوية الآخر، لم تخفف الآلات الحديثة من التنمر الذي ظهر وجهه القبيح على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر التعامل اليومي في العمل والشارع وفي كافة المؤسسات الحكومية والتجارية، الحضارة وزيفها لم يخفف من السباق المحموم على الاحتكار للمنتجات والبضائع وحرمان الآخرين منها.
الجهل الحقيقي هو بعدم امتلاك وسائل المعرفة، وهناك جهل بالاعتقاد بامتلاك المعرفة وبلوغ حدودها، وهذا النوع من الجهل يفوق الأول، لأن الأول ممكن إصلاحه، أما الثاني صعب، والتفرد بالعقل لا يعني الابتعاد عن طبيعة الإنسان،
فالقرارات التي لا تخدم المجتمع، بل تجعله مجتمع معرض لجميع أنواع الحروب الفكرية والعقائدية، هي ليست بعقول، بل آلات استعمارية حديثة.
تيماء عزيز نصار