الوباء والغلاء ..

الوحدة 30-10-2021

إن من أشد أنواع البلاء هو الغلاء والوباء، فنحن أمام كارثة إنسانية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

فبعد قرارات مطمئنة بتخفيضِ أسعار بعض السلع الضرورية، وكثرة التحليلات النظرية، وانشغال الشارع بتفنيد السطور، بات علينا الانتظار لما بعدَ هذه القرارات، لفهمِ ماهيتهِا وتفاصيلها، ولكن يتضحُ بعد حين بأنَ هذا القرار لا يصبُ بمصلحةِ المواطنِ الذي يجبُ أن تكون مصلحته فوقَ كل المصالح.

إن جنون الأسعار يضرب في كل الأرجاء، والضروريات اصبحت تنافسُ أسعار الكماليات، ورويداً رويداً تتفوقُ عليها، بل وأصبحت أعلى شأناً منها.

الغلاء الخرافي إلى ارتفاعٍ دائمٍ، أما النقصانُ فهو في رواتبنا وأعمارنا.

إنَ ارتفاع قيمة المكالمات الهاتفية كمثال، ليس بالتأكيد دليلاً على ارتفاع قيمة الكلمة، وارتفاع أسعار الأدوية ليس دليلاٌ أيضاً على ارتفاع قيمة صحة الإنسان.

نحنُ لا نطالبُ بتثبيت الأسعارِ، بل نطالب بأن تكونَ الأسعار ضمنَ المعقول، تضمنُ للتجار ربحاً، لا يهدُ حيل المستهلكِ.

وها نحنُ على أبوابِ الشتاء، واحتياجاتهُ أكثر من كل الفصولِ، ومازلنا ننوء تحتَ ثقلِ وباء الكورونا ومستجداتها، ليداهمنا مرضٌ أسودٌ كاسمهِ، وهوَ الفطر الأسودُ، وهو أخطر من المدعوة الكورونا.

ونجدُ شوارعنا كخريطة عجائبية بالقمامةِ المنتشرةِ في كلِ مكانٍ، ويبدو بأنَ أغلبَ عمالِ التنظيفاتِ أهملوا عملهم، وانصرفوا عن التنظيفِ لتلبيةِ العمل الخاصِ بترحيلِ قمامة البيوتِ في مباني الأحياء المشرفين عليها، وما تدره عليهم من فائدةٍ، في ظل الغلاء.

فالغلاءُ غولٌ يفترسُ أحلام الطبقاتِ الوسطى والفقيرة، ويضربُ في كل اتجاهٍ بلا هوادة.

إن الجشعينَ من التجار لا يمكنُ أن يردعهم سوى الرقابة المشددة من الجهات المختصة، وأن تكونَ ضد تواطئهم وليس معهم.

وظهور شخصيات جديدة في زمنِ الأزمات، تتلاعبُ في السوقِ على هواها، وتستغلُ أي مناسبة لتكوي المواطنَ بلظى نيرانِ أرباحها، حيثُ كانَ الثراءُ حليفها على حساب شتاتِ الوطنِ، في ظلِ الانفلات الأخلاقي، حيثُ كانت في الماضي مغمورة لا تاريخ لها، ولا شيء يدلُ على أن مستقبلها سيكونُ بذاكَ الإبهار المعيب.

إنَ إلحاقَ كثيرٍ من الطبقاتِ المتوسطة بالفقراءِ، بسببِ الغلاءِ المستشري، كالنارِ في الهشيمِ، وكالثور المسعورِ والفالت من عقالهِ،  ومحاصرةُ المواطنِ بالغلاءِ والوباءِ هوَ حملٌ ثقيلٌ، في ظلِ غيابِ الدواء وزحمةِ المشافي.

قوةُ مناعةِ أي جسمٍ بشري لمواجهة الوباء، ليس باللقاحِ المجاني فقط، وتحميل المواطن مسؤولية عدم التحاقهِ بأخذِ اللقاحِ، فماذا يفعلُ اللقاحُ دونَ طعامٍ وشرابٍ جيدٍ، فعندَ توفيرِ طعامهِ، وعدم إرهاقهِ بالانتظارِ لأيامٍ على طوابير حاجاتهِ الأساسيةِ، وتوفيرِ موادِ النظافةِ بأسعارٍ مقبولةٍ، وتأمين موادِ تدفئتهِ ودوائه، وتوفير الكهرباءِ والماءِ، وحمايتهُ من الأزماتِ النفسيةِ والصحيةِ، عبرَ التخفيفِ من الأخبارِ السلبيةِ المتلاحقةِ في كلِ ساعةٍ.

وللغلاء نتائج كارثية على المجتمع، وما نشهدهُ من سعي كثيرٍ من الناسِ للحصولِ على المالِ بطرقٍ غير شرعيةٍ، كالسرقة والرشوة، وازديادِ الجرائمِ والعنف، هو أكبرُ دليلٍ.

إننا في بلاءٍ حقيقي ولا نعلم، فإعانةُ المساكين والبسطاء، هوَ أعظمُ أسبابِ رفعِ البلاء ولكن ما نشهدهُ هو العكسُ، بل وأكثر وهو ازدياد في خنقِ تلك الطبقات التي لاحول ولا قوة لها.

ولطالما قرأنا في الكتب السماوية، بأنَ الغلاء والوباء وازدياد موت الفجأة وكثرة الجرائم، هي من علامات الساعة، لعلنا نتوبُ جميعا، قبلَ إغلاقِ باب التوبة.

تيماء عزيز نصار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار