(المعفرات).. الحياة مرة كما حبات الزيتون تحتاج للرص

الوحدة 26-10-2021

 أذهب للتعفير والأولاد غير راضين عن ذلك ويقولون لي: أنت كبيرة بالعمر ويمكن أن تتعرضي لأي حادث, ولا أرد على طلبهم ورجائهم, فالحاجة مرة ولا أريد أن أكلفهم ما فوق طاقتهم, كما أني أخرج من سجن البيت وأمشي على أرجلي اليابسة من المكوث الطويل لتدبّ الدماء بهم, وأفرح عند قصدي لحقول الزيتون وأتذكر أيام الفرح والهناء وفوق كل ذلك أدبر حاجتي من الزيت والزيتون ولو بالقليل, فهو جداً غال وثمين (ذهب…) ذهب كل يوم وليس من عيب, العيب أن تمد يدك للسؤال حتى لأولادك عن زيت وزيتون وليس لديهم في البيت منه شيء وهم يشترونه، يكفيهم معاناة من قلة العيش وفاحش الغلاء, ليس لدي أحد في البيت وراتب زوجي قليل رحمه الله لا يسد رمق الحياة, كنت أعيش بأحسن حال مع زوجي وأولادي وقد بعت المصاغ لأشتري أرض زيتون, زودتني بالمونة لسنين طوال, لكن الأولاد عندما تزوجوا فرقوا الأرزاق وباعوا الزيتون لأجل عيون الزوجات, وقلت الحمد لله بكل رضا, واليوم ليس لي عين وحرام أن أكل حصة الأحفاد والتي لا تكفيهم اليوم بألف حيلة ووسيلة .هذا ما جاء على لسان أم حسين التي تجاوز عمرها 80 عاماً ووجهها تملؤه الحياة . اليوم هم كثيرون ويتكاثرون ويبدو أن الحاجة والغلاء الذي يستطير شراً بهؤلاء العباد يدفعهم للسعي في الحقول وراء حبات الزيتون والتي وصل الكيلو منها 4آلاف ليرة فما بالك بالزيت الذي يغلي ويكوي الجيوب ويلوي القلوب ؟ أم حمزة_ من المستحيل أن أدبر أمر المطبخ والبيت من الزيت والزيتون بغير التعفير, زوجي توفي بالأحداث وترك وراءه خمسة أولاد في المدارس, الراتب جداً قليل ولا يكفيهم ليوم, لهذا أبحث عن رزقي في هذا الموسم والجميع يساعدني, وإن اقتربت منهم أو دخلت أرضهم يطلبون مني بعض المساعدة في التلقيط أو تصفية الحبات وتنقيتها من الأغصان والأوراق ليضعوا في الكيس الذي أحمله سطلاً صغيراً من حبات الزيتون بكل سخاء, أخذه بعد شكرهم مقابل الشغل الذي قدمته ودون سؤال لأتابع سيري والبحث عن رزقي, لكني أعود مساء منهكة ومتعبة ولا أكاد أضع يدي على لوح الباب حتى يفتحه لي الأولاد ويحملون عني كيس الزيتون, وما إن أجلس حتى يأتون بالشاي وقد انتقوا بعض حبات العطون لنأكل جميعاً وننام على أمل الحصول على بادون زيت من تعفير هذا العام, حيث في العطلة يرافقني ابني الكبير . أم نضال_ الجدة _ تأتي بولد ولدها ليرافقها في التعفير أيام غيابه عن مدرسته وقد ضاق العيش وتغيرت الأحوال هذه الأيام, لديها بعض شجيرات الزيتون لكنها في قلة ولم تحصل منها غير سطل زيتون رصته لأجل المونة, لكن الزيت لا يأتي بغير لجوئها للتعفير, فهي ليست لوحدها في البيت, رجلها مسقوم وضعيف وابنها طلّق زوجته ليأتي لها بولد وبنتين, فماذا تفعل غير التعفير ؟ تقول : ليس من الهين هذا العمل فقد يتعرض الواحد منا لبعض الكلمات التي فيها إهانة وتجريح من صاحب الرزق والأرض, كما أن الشغل شاق في البحث عن بعض حبات زيتون خلفها العاملون وقد تغريك حفنة منها في الأعلى تلمع تحت شمس تشرين لنتسلق الشجرة لأجل الوصول لها وقطفها عندها قد نتعرض لحادث وأذية وليس من أحد يرافقك أو يجيب .فالناس قد انتهت من العمل في الحقل وأنت لوحدك تتجولين, مرة هذه الحياة كما حبات الزيتون التي تحتاج للرص.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار