الوحدة: 19-10-2021
مما لا شك فيه بأن الحالة التكنولوجية التي يشهدها العالم الذي يواجه جملة مشاكل معقدة ومتعددة، وكذلك تعيشها عموم المجتمعات البشرية سوف تكون لها تأثيرات بعيدة المدى على مختلف الشرائح الإنسانية المعاصرة في الوقت الراهن، كما وستُفضي عملية الغزو والتغلغل المعلوماتي والرقمي الواسعة النطاق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وصناعياً إلى رسم صورة فسيفساء جديدة وموثوقة لأساليب صور ثقافات معيشية جديدة فعلاً متدفقة كالسيل الجارف في سواقي مشاكل البطالة والمجاعة والوباء والغلاء، ومن الجدير الإشارة بحق إلى أنه لاستمرار عجلات الإنتاج وتقليل رقم معدلات البطالة واستيعاب الواردات فلا بد من حدوث أشكال تنمية حقيقية على أرض الواقع على أن تكون بصدق واضحة المُساهمة في عموم الموارد للمساعدة في تقليص المديونية الخارجية عوضاً عن ارتفاعها نتيجة عمليات الاستيراد فحسب دون تصدير يُذكر على سبيل المثال مع عدم إغفال نقطة فائقة الأهمية جداً وهي أن زيادة الإنتاج في أي ميدان قطاع ما بالأساليب التكنولوجية والمتطورة لا يمكن أن تكون مفتوحة وبغير حدود لأن الموارد سوف تفرض نفسها عند ذلك كالطاقة وغيرها إضافة إلى بعض الحدود الأخرى المُتوجب مراعاتها بحزم أيضاً للحفاظ على البيئة من سلبيات مشاكل التلوث والتصحر وإلا تعرضت مسيرة الحياة بأكملها على وجه هذه البسيطة للاختلال التدريجي والانهيار الحتمي.
كانت البطالة من أسوأ الآثار الاجتماعية التي أرخت ظلالها على عموم المجتمعات حيث شرعت التقنيات الحديثة باحتلال مكان العمل اليدوي في جميع الميادين وقضت على الكثير من أمهر أرباب الحرف التراثية والمهن اليدوية وحولتهم إلى أشخاص بؤساء فعلاً في صفوف جحافل الصناعة الاحتياطية التي لا تتردد أبداً في الاستغناء عن أية عمالة إذا ما ظهرت آفاق تكنولوجيا متطورة وآلات حديثة وتقنيات مفيدة لتحل مكان كل قوة عمل بشرية ممكنة لا تملك حقيقةً سوى خبرة سواعدها، ومن المُلاحظ أنه مع التقدم الهائل والسريع في نوعية أدوات الإنتاج وصناعتها في عصر التكنولوجيا المُبهرة فإن الآلة الإلكترونية لم تعد تحل مكان العمل اليدوي فحسب سواء كان بسيطاً أو مركباً بل باتت حقاً تحل مكان العمل الذهني في الكثير من مجالاته وأصبحت ظاهرة البطالة تشمل أغلب المُتعلمين من مختلف درجاتهم وكذلك طبيعة تخصصاتهم، ومما يزيد مشكلة البطالة تعقيداً هو حدوث المشاكل الدورية وبعض الأزمات المفتعلة كحالات الإفلاس الوهمية أحياناً وأيضاً توقف عجلة الإنتاج نتيجة تناقص القدرة على حُسن تصريف المنتجات المُكدسة في شتى الميادين وعموم القطاعات ومرد ذلك يعود تحليله لضعف القوة الشرائية الفعلية لدى طيف السواد الأعظم من الناس.
لم يعد التعليم بشكله الرسمي التقليدي والأكاديمي المعتاد هو المصدر الوحيد للعلم بل باتت هناك روافد أخرى للعلم والثقافة للتحصيل والإنجاز واستثمار كل الإمكانات لهدم الجدار السميك في ميدان التعلم الذاتي ووسائل التواصل الثقافي والاجتماعي وفضاء الحوار الذهني الذي يُكسب المرء ثقة في النفس ليدفع بوصلة سفينتها نحو المزيد من بحور المعرفة والعطاء في مناخ مُفعم بالثقة بين عموم الأصدقاء كي تتراكم الخبرة العلمية التي تصقل صميم الشخصية وتُطور وعيها بشيء من التعقل والاتزان وتُنمي مجمل معارفها وتُبلور مسار ثقافتها، ومما لا شك فيه بأن أدوات التواصل الاجتماعي والترابط الشبكي العالمي هما من أوضح ظواهر الثورة التكنولوجية وذلك بسبب الجانب الإعلامي المضيء من تلك الحالة وهو ما تمت تسميته في عصر التوسع ثورة المعلومات والاتصالات بكل أدواتها من الأقمار الصناعية بداية وصولاً إلى أحدث تجهيزات الكومبيوتر والألواح الرقمية وتقنيات البث المرئي الفضائي ليس آخراً والتعداد يطول.
د. بشار عيسى