الوحدة : 16-10-2021
أهربُ إلى شرفةِ مقهى أتأملُ مغيبَ الشمسِ، ألجأُ إلى البحرِ لأشاهد كيفَ يلتقي الماءُ بالسماء، أتنفسُ نسمات البحر لتعيدَ للروحِ توازنها، أصغي إلى صوتِ الأمواج ليهدأ ضجيجُ أفكاري، سربُ نوارس يطيرُ حيناً، ويهبط على الماءِ أحياناً، ويرتحل إلى الأفقِ البعيدِ، وكم أتمنى الارتحالَ معهُ.
أنزوي مع أصدقاءِ الروح الطيبة والرؤى النافذة، وأبتعدَ عن أشخاصٍ لا يشكلونُ سوى الخواء والفراغ، فجزءٌ طفيفٌ مني يتوسل المواصلةَ من باب المسايرة، وجزءٌ هائلٌ يرغبُ في الهروب، فذلكَ الانتماءُ لتلكَ البقعة الجغرافية بشخوصهِ المبتذلة محبطٌ للآمال، لكنهُ القدرُ وكلنا في الهمِ واحدٌ.
مازالت لحظاتُ الهروبِ إلى الوحدة كافية لتشعلَ الكثير من الذكريات لأشخاصٍ وأمكنةٍ، مازالت قناديلهم تضيءُ في الثقافةِ والفن والسياسةِ رغمَ الرحيل، تتلمذت على رؤى نهجهم، فكيف يحاولُ الواقعُ تغييب رؤياك الراسخة في الفكرِ والقلب .
أهربُ عندما لاحظتُ بأنني بدأتُ أتلوثُ كي أصلَ، وبدأتُ لا أشبهُ نفسي كي أرضيهم، وبدأتُ أرقصُ فوق النارِ كي أبهرهم، وبدأتُ أخونُ ذاتي كي أسايرهم.
أهربُ إذا باءت محاولاتي للوصولِ إلى قلوبهم القاسية بالفشل، وباءت محاولاتي لتجاهلهم بالفشل، أهربُ عندما أشعرُ بأن المنطقَ يرفضُ إحساسك ، وبأنَ قيمك ترفضُ واقعهم، وبأنَ إحساسك يرفضُ نفسه.
أهرب إذا شعرتَ بأنَ نفسكَ لا تستحقُ منكَ كل هذا الشقاء والعناء، وكلُ جهدك وألمكُ لا يعنيهم، أهرب من ابتساماتهم الصفراء المزيفة، أهرب عندما يساءُ فهمك أحياناً، فيخلقونَ لكَ الأوصاف ألواناً، فقد تكونُ عندَ بعضهم ملاكاً، وقد تكونُ بعينِ البعضِ شيطاناً.
أهرب من مجالسة الأشخاص الذين يتركونكَ في حالةِ دفاعٍ دائمة، أدافعُ في حضرتهم عن أفكاري، عن مقاصدي، عن نفسي، أدافعُ عمن أحبُ، أدافعُ عن حقي وغاياتي وآمالي.
أنني أهربُ حقاً كلما تحولت الأحاديثُ لهذهِ اللا منطقية المؤسفة، ولا أعودُ مطلقاً، أهربُ من أجواءِ الفتنِ والنميمةِ والانفعالاتِ والغوغائية، وهروبكَ من دائم الظنون والشكوك والسيء النية، هو احترامٌ لنفسكَ.
أهرب من مستنقع العدمية لتنقذَ بقايا روحكَ وسنيّكَ الراحلة.
من قالَ بأنَ الهروب جبنٌ، أهرب لا تسأل إلى أينَ تهرب، فقط أرحل لمكانٍ لا تنحني فيهِ لأحدهم.
تيماء عزيز نصار