الوحدة : 7-10-2021
كيف ستكون ردة فعلك حين يجمعك القدر في مكان ما، في بيت أو وظيفة، أو مهنة، مع جار أو زميل فضولي وحسود ومنافق؟ هل تغلق أذنيك وتصمت وأنت تسمع منه كلاماً غير مسؤول يشوه سمعتك بين الناس، خاصة ونحن في مجتمع تنتشر فيه الشائعات كالنار في الهشيم، أم تعالج المشكلة بحكمة وعقل؟ ومن عدة قصص تجري في مجتمعنا أردت الإضاءة على ما يجري
بداية أروي قصة أزهار (مطلقة تعيش وحيدة مع طفليها)، تقول: تعرضت لموقف كاد أن يدمر سمعتي بين سكان الحي… بدأ جاري يتحرش بي ربما لاعتقاده بأنني صيد سهل، ولكنني لم أفسح له المجال، وطلبت منه صراحة أن يتركني بحالي، إلى أن وقعت بيننا مشادة كلامية فراح يرشقني أمام الناس بكلام بذيء وسيئ بقصد تلويث سمعتي، وحالما سمع الناس عباراته الجارحة، أخذت الألسنة تلوك سمعتي ونحن نعيش في مجتمع محافظ يعد سمعة المرأة من الأولويات، وهناك الكثير من الناس لاهم لهم سوى زرع بذور الشك وتغذيتها بالأكاذيب، ولم يمض وقت طويل حتى وقع الجار بالمشكلة نفسها مع امرأة من نساء الحي، ما كرس صورته السيئة لدى الناس، وخفف عني هماً ثقيلاً، حيث بدأ الجيران بالاعتذار… بكيت لحظتها بحرقة المظلوم فليس لدي حيلة أدفع بها وابل الشكوك التي حامت حولي وليس لدي من يدفع عني أكاذيب هذا الجار المفتري.
صورة ثانية من مشاهد الكذب والنفاق، يحكيها صاحب مكتبة قائلاً: قضيت سنوات طويلة وأنا أمارس مهنة بيع الكتب والمستلزمات المكتبية إلى أن جاورني زميل مهنة لكنني لم أنزعج، فهذه حال السوق ولم تمض أيام معدودة إلا وبدأ هذا الجار، وبطريقة لا تتناسب مع أخلاق المهنة يسحب مني عملائي، والأنكى من ذلك يخبرهم أن بضاعتي غير أصلية وأني رجل غشاش، إضافة إلى ذلك أخذ يبيع بضاعته بأسعار متدنية جداً وهذا ما انعكس على عملي، وتدنت أرباحي، وأصبحت على حافة الإفلاس فقررت أن أبيع المحل وأنتقل إلى مكان جديد وحرصت على الابتعاد عنه مسافة بعيدة، ولكني فوجئت أن جاري هذا تكرم بزيارة سريعة إلى صاحب العمارة التي يقع فيها محلي الجديد محرضاً إياه على طردي بافتراءات لا صحة لها، وما زلت حتى هذه اللحظة لا أعرف سبباً وجيهاً لهذا التصرف، ما دفع بصاحب العمارة إلى تصديقه.
وهناك صور عديدة نتابع سردها عن ربة بيت كانت على علاقة طيبة مع جارتها ويجمع بينهما الود والاحترام تقول: كانت جارتي لا يحلو لها الحديث إلا معي، كما تدعي في كل مناسبة ومن دونها وبمرور الأيام تغيرت فجأة وانقلب ودها رأساً على عقب وراحت تضمر لي الشر والحسد حتى جاء اليوم الذي اعترفت لي صراحة وهي تقول أطفالك أجمل من أطفالي وزوجك يحبك ويعمل على إرضائك لماذا لا أصبح مثلك؟
ولا أبالغ إذا قلت أنني أشفقت عليها لأنها صريحة وطيبة القلب وعندما مرت بوعكة صحية ألزمتها الفراش كان ردي عليها مزيداً من الاهتمام والرعاية لها ولأطفالها بعد هذا الموقف ندمت الجارة وراحت تبكي بمرارة من فرط شعورها بالذنب لقد تعلمت درساً بليغاً هو أن يتجنب الإنسان رد الإساءة بالمثل وأن الحسد والنفاق لا يجديان نفعاً لصاحبه.
وأخيراً نستعرض قصة يسرد تفاصيلها رب الأسرة ويقول: عانينا لسنوات قبل أن ننتقل إلى هذا المسكن الجديد، جار السوء الذي كان يترصد بنا مل حركاتنا وما يصدر منا من كلام وأفعال، فإذا ما ساعدنا أحد المحتاجين، يتدخل محاولاً منعنا عن فعل الخير فيبدأ بإطلاق التهم عليهم كانت نظرات الحسد طافحة على وجهه ولا يعجبه العحب يتدخل في كل صغيرة وكبيرة تخص وضعنا العائلي ابتداءً من شراء الأجهزة المنزلية ومروراً بميزانية البيت وحتى مستقبل أطفالي، ووصلت به الحال أن يجبرني للحديث عن أسرارنا العائلية، ثم يأخذ جولة في الحي ليروي لجيراننا ما حمل بجعبته من قصص مغلفة طبعاً بالكذب والافتراء.
ولتسليط الضوء على هذا الجانب من السلوك الاجتماعي الذي يتميز به بعض الناس والمتمثل بالحسد وتمني زوال نعمة الآخر، أو التدخل في شؤونه، ولا يخلو مجتمع من المجتمعات الإنسانية من أشخاص من هذا القبيل أنهم موجودون في كل مكان وهي ظاهرة عرفتها أقدم الشعوب البشرية وأشارت إليها الأديان القديمة، وفي الأمثال الشعبية ثمة الكثير من الشواهد التي تشير إلى هؤلاء الناس، ولكن ثمة أسباباً حقيقية تسبب هذا النوع من السلوك البشري، منها تربوية، وثقافية واقتصادية، لا نربي أطفالنا على احترام خصوصية الآخر وكتم أسراره، كما أن للعامل الاقتصادي دوراً سلبياً في ترويج هكذا تصرفات، فالبطالة والجلوس لساعات طويلة بلا عمل يشجع الأفراد على ملء فراغهم بانتهاك خصوصيات وأسرار الآخرين ، ومن ثم الثرثرة بها أمام الملأ.
متى ما تعلمنا زرع الثقة في نفوس أبنائنا ومنحناهم الفرصة لبناء شخصياتهم ووفر المجتمع فرص عمل تتلاءم وإمكانات أبنائه ستنحسر هذه الظواهر المرضية إلى حد كبير..
لمي معروف