وقال البحر… دواء لكل داء …

الوحدة: 5-10-2021

 

منذ قديم الزمن الماضي وحتى أيام هذا العصر الحديث، بوقعه السريع، ثمة أفكار فلسفية تُؤكد ضرورة التمسك فعلياً بقيم الأخلاق لأهميتها في مواجهة المشكلات وصيغ التغيير وآليات التطور، ويظهر التباين والاختلاف بين القيم السائدة التي أصابت مناحي الحياة بزلزال عنيف جداً، وأضحى هنالك اضطراب مخيف في نمط وطبيعة شتى صور أخلاق العلاقات الاجتماعية ونماذج الأواصر العائلية والبشرية، ويصعب مع هذا الخلل الواضح في بنية المجتمع أن يُبصر المرء الطريق الصحيح والسبيل القويم، الذي يُتيح له النجاح في الحياة، والتحلي بالأخلاق الفضيلة والمبادئ النبيلة المُتبلورة في لُب عمق كل من (الدين والتراث والتقاليد)، وتتمحور المشكلة العامة بجد في أنه لا توجد أدنى أفكار أو معايير أو حتى درجة مقاييس عامة للأخلاق، لأن الإنسان بحد ذاته هو مقياس الأشياء جميعاً، وهذا ما يُفسر الهدف الحقيقي الواضح من الزيادة في التأكيد على روح القيمة الذاتية للحياة الأخلاقية وماهية المعاملة الخلقية الظاهرة في صورتها الطيبة وعباراتها البراقة التي لا غُبار عليها، ولا يخفى على أي أحد بأن مجرد معرفة الفضيلة بعمومها قد لا يُؤدي حتماً بالضرورة وبصورة قاطعة إلى انتهاج سبل السلوك القويم والتعليم السليم والفعل الحكيم.
انطلاقاً من مكنون حروف العبارة الشهيرة (اعرف نفسك) والتي تُشير إلى ضرورة البدء بدراسة وضع كل إنسان لذاته بغية المُضي في مسير خطوات ثابتة إلى الأمام لإتاحة تشييد إطار قيمي أخلاقي يقوم على روح المعرفة فمن الظلم المرير والإجحاف القاسي تصور القول بأن روح الأخلاق هي وحدها القادرة بالفعل على مواجهة ما يُعانيه المجتمع من مشكلات وآفات ومفرزات وما يمر به من هول كوارث وضغط أزمات وكذلك مفاعيل اضطرابات لأسباب كثيرة تتجلى في:
– خضوع سلوك الفرد لمؤثرات عديدة تأتي في مقدمتها وسائل أنماط الإعلام الالكتروني الحديث ووسائط التواصل الاجتماعي وعالم الأنترنت الواسع.
– تناول حيز الأخلاق لجوانب عديدة في صياغة وتشكيل الإنسان ومنها الجانب المعرفي المُتمثل في جملة الحقائق والمعلومات التي تحويها قطاعات المعرفة المختلفة وكذلك الجانب الآخر المُتعلق بالأساليب والوسائل المتمحورة في شكل المهارات وأما الجانب الثالث والأهم فيتصل بالقيم والمبادئ والاتجاهات، ورغم أن عموم الجمهرة المجتمعية الكبرى تعي تماماً ضرورة التكامل بين هذه الجوانب الثلاثة إلا أن المستوى التطبيقي ينبئ عن جهد متواضع و بسيط في تفعيل الجانب الثالث خاصة وأن كلا الجانبين الأول والثاني يستهلكان أغلب الوقت ومعظم الجهد.
– نظام التربية المُنصهر ضمن منظومة ضخمة ومعقدة تسمى المجتمع ويتأثر بها ويعمل من خلالها، وكذلك يرسم الفلسفة التي تُشكل أُسس الأخلاق وسبل ترسيخها في النفوس وضمن القلوب وعلى الألسن بالطريقة التي تُقيد وتُحجم كل شيء خارج عن المألوف أو متجاوز لأي حدود.
– منظومة الأخلاق ليست من الأمور التي يسهل إيجادها بقرارات وقوانين ولوائح تشريعات ولا يُعد مجرد الوعظ والنصح مُحفزاً وحيداً لها لأنها إفراز للبنية العامة للمجتمع إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر.
– الظلم الكبير المُلصق بنظام الأخلاق الاجتماعي من خلال سياط النقد المُنهالة عليه بقسوة وأسى عقب إلقاء العديد من المسؤوليات على كاهله المُتعب في نشر بذور نُظم الوعي المجتمعي.
من الممكن عن طريق نظام اجتماعي أخلاقي عام قائم على أُسس موضوعية ويدخل فيه الفرد مُبكراً منذ نعومة أظافره الكشف عن المعدن الذي يتكون منه من خلال ما يمر به من امتحانات في نهاية كل مرحلة من مراحل حياته، وتُعد فئة أهل الفكر والفلسفة والإعلام من أبرز وأميز المُكونات المجتمعية القادرة على قيادة المجتمع بهمومه ومشكلاته وقضاياه وآماله وطموحاته وأيضاً توجيه بوصلته بدقة معرفياً وعلمياً نحو فرص التطور وكذلك أخلاقياً في مناخ تسوده عناوين العدل والانسجام والخُلق والوئام وصولاً إلى اعتماد مبادئ التربية والأخلاق أساساً لتحقيق أركان الحياة الاجتماعية الرغيدة والمستقرة والسعيدة على الرغم من كل الثغرات والمُنغصات والمعوقات التي يعلوها اليأس والصدأ والجمود.
د. بشار علي عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار