كلٌ يغني على ليلاهُ..

الوحدة : 25-9-2021

السفينةُ بربانها الماهرِ تسيرُ إلى وجهتها بأمانٍ، حيثُ يحولُ الأعاصيرَ الهادرةَ إلى رياحٍ هادئةٍ، ويستوعبُ تدافعَ الموجِ برويةٍ وحكمةٍ، ويتأقلمُ معَ تقلباتِ الطقسِ لتكونَ رحلةً أمنةً، تحققُ الهدفَ المنشودَ.

استيعاب عوالمِ الأمورِ هوَ أساسُ النجاحِ، فترقيةُ شخصٍ ضعيفٍ واستبعادُ اليقظِ والفطنُ الشجاعُ هو خيانةٌ، فالضعيفُ ستسيطرُ عليهِ الجماعةُ ومراكز القوى. والمديرُ الغافلُ الذي يميلُ للهو بدلَ تنميةِ عملهِ، هوَ خطرٌ يحيطُ بالصالحِ العامِ، ولعلَ التعييناتِ السريعةِ التي تتلوها إقالاتٌ أسرعُ حالياً، دليلٌ على أنَ التعيينَ منذُ البدايةِ كانَ مبنياً على أمورٍ سطحيةٍ.

المديرُ الفاشلُ يحاربُ الناجحَ ليبقى المسيطرَ بطريقتهِ غير المشروعةٍ، ويركزُ في الآخرِ بدلَ التركيزِ في العملِ، ويسلكَ طريقَ المنفعة الشخصية بدلَ النفعِ العامِ، وكم من مؤسساتٍ حكوميةٍ وخاصةٍ الآن، تدفعُ ثمنَ وجودِ مديرٍ فاشلٍ لا يملكُ من فنونِ الإدارةِ غير التحريضِ على المنافسين، واختلاق الأمورِ السيئةِ عنهم، ويصبُ تركيزهُ عليهم بدلَ التركيزِ على تفعيلِ العملِ، ويستخدمُ الدهاءَ بدلَ الذكاء في تصفيةِ الخصومِ، ويؤلبُ الآخرينَ عليهم، ويعادي من يصادقُهم ويعلنُ الحّدَ عليهم، ويصادقُ أعداءَ منافسيهِ ويقربهم منهُ، فتطغى المحسوبيةُ والتي تؤدي لدمارٍ شاملٍ.

ضِعفُ الإدارةِ ينتقلُ إلى ضعفٍ عامٍ في العملِ، وهم لا يريدونَ سماعَ ما يُحسنُ العملَ ويزيدُ إنتاجيتهُ، بل يريدونَ سماعَ عباراتِ المديحِ والتدليلِ والتدليسِ، فلغة النفاقِ تطربهم، ولغةُ منافسيهم تزيدُ حقدهم، وتوسوسُ لنفسهم كل الخيالاتِ السيئةِ عن الآخرِ المنافسِ، ولا يتوقفونَ عن الاتهاماتِ التي بلا سندٍ وبلا دليلٍ، فالقرائنُ التخيليةُ لديهِ ترقى إلى مستوى البرهانِ، والأنا لديهِ أكبرُ من كلِ الوجودِ المحيطُ بمكانِ عملهِ وحيهِ وسكنهِ.

وكلما زادَ بقاؤهُ في المنصبِ، كلما زادت الأنا تضخماً حتى تصلَ لورمٍ ينتشرُ في كافةِ الأنحاءِ، وحينها يصعبُ استئصالهُ، حتى تحولت مراكزُ العملِ وكأنها أملاكٌ خاصةٌ للبعضِ ورثوها أباً عن جدٍ.

القائدُ الضعيفُ لا يستطيعُ اكتشافَ الشواطئَ البعيدةَ، ويخشى مقارعةَ الموجِ ويتقوقعُ في زاويةٍ ضحلةٍ موحلةٍ.

محاولةُ التعايشِ مع المديرِ الفاشلِ محاولةٌ صعبةٌ مريرةٌ، لا تطورٌ ولا فعاليةٌ، يعيشُ على أشلاءِ الوقتِ الميتِ معَ سجالاتٍ سطحيةٍ عنوانها مصلحتهُ أولاً وأخيراً، وصراعاتٍ تزيدُ التوترَ بدلَ زيادةِ الإنتاجيةِ، تلكَ الصراعاتُ تمتدُ لكاملِ المؤسسةِ، وتمتدُ معها لغةُ الشقاقِ، فتزدادُ حدةُ التكتلاتِ والاصطفافاتِ ويضيعُ نهجُ العملِ.

الرحلةُ شاقةٌ مع الفاشل وتزدادُ شقاء في كل يوم، الكونُ يتغيرُ بسرعةٍ، وهو يقبعُ في صومعتهِ النرجسيةِ المعتمةِ لا شيءَ يهزهُ، فأنتَ وذاكَ وتلكَ، يعيشُونَ في وادٍ، وهوَ في وادٍ أخرٍ، وكلٌ يغني على ليلاه..

تيماء عزيز نصار

تصفح المزيد..
آخر الأخبار