الوحدة : 18-9-2021
هلا.. هلا بربيع وحياة جديدة, هلا بزواج عامر بالحب, جاء وعداً على شفاه ربيع يهمس في أذنها أغاني عشق وقصائد حب تكون على مدى العمر والأيام, فترى ألوان الأمل تجد طريقها وتبصر عندها بعض الأحلام, فبعد الجراح والأوجاع ومصارعة ما بين الموت والحياة كانت إرادتها للحياة قوية والنجاة من موت محقق لا محال.
من أحداث اسبيرو(تذكر ولا تعاد) الشابة هلا تخرج من جامعتها والفرح يملؤها بعد تخرجها من دورة اللغة الروسية وهي الأولى على صفها, ولم تكن تدري ما ينتظرها على موقف (اسبيرو) الذي وقعت فيه أكبر حادثة مؤلمة من قذيفة انهالت بلهيبها على من فيه, وكانت حال هلا حرجة جداً, والأطباء يواسون أهلها بجملة واحدة (عملنا اللي علينا والباقي على الله.. ادعوا لها) (قوية صغيرتي ومدللتي كما قال والدها) وأمها قالت: لا لن تموت وحيدتي وأنا التي عشت ومت سنوات عدة لأراها صبية وأحلم بها عروساً تلبس الطرحة, وقد انتفض قلبها لما سمعت من والديها وعاد قلبها ينبض بالحياة ليقول لهم الأطباء معجزة عودة هلا, وكيف لا وهناك الكثير من الفرح والحب لهذا القلب الصغير؟
أشهر وسنة في مشفى تشرين الجامعي لتخرج منها وتمشي بلا قدم وحتى بعض أحشاء, وبإصرارها مشت بساق اصطناعية وتابعت دراستها الجامعية (كيمياء) وتخرجت بامتياز, ولكن الحظ البائس مرة أخرى يصادفها ويبعدها عن حلمها في الدراسات العليا ليحل محلها طالب آخر مهجر ولو كانت علاماته أدنى, فكرت بالدراسة على نفقتها الخاصة ولكن الحال ضيقة وعلى اتساع, وهذا مبضع آخر من بؤس الحياة نزف له القلب ألماً ولم يكن مبضع جراح الأطباء وأوجاع العمليات المتتالية في غرفة الإنعاش أشد منه, ورغم ذلك ارتضت بالأمر ولم تترك نفسها نهباً لليأس والإحباط, ولم تكن لتقهر وهي الآتية من ظلام الموت ولن تطال صبرها أو تقع فريسة الحزن والحسرات, وقد أتاها ربيعها الدائم لتنجلي غيوم شتائها ويطل فرحها من عيون دافئة تمتلئ منها وتبزغ شمس ربيع ذاك الشاب الوسيم (مسرح من الجيش العربي السوري) على أيامها لينسج لها من أشعتها بردة وثوباً أبيضاً للزفاف, ربيع عاند الأحداث والأقوال وفاز بحبها وقلبها أخيراً.
منذ جاء ربيع تغير الحظ وحالفها بوظيفة بمسابقة تدريسية وكانت الأولى فيها لتعين في دمشق, مع أن ربيع رفض أن تعمل وتتعب نفسها فهو يريدها سيدة بيتها فقط لكن رغبتها أمر مستجاب, كما كل ما طلبته لعش الزوجية ومملكتها كان لها, وكان منذ أسبوعين الفرح الكبير(لربيع وهلا) وسط جمعة الأهل والأحباب الذين طرب قلبهم لدعوتهم ومشاركتهم الفرح الذي تمنوه لهلا, فرقصوا وغنوا حتى جاء الصباح, ودعت هلا العزوبية ودمعة من عين والدها المدرس المتقاعد المريض تنفرط على خده مع ابتسامة والدتها التي ملأت العينين وتكحلت بطرحة هلا وثوبها الأبيض استطار بحلمها الذي تحقق ولم يخيب الرجاء فيه, هلا أصبح لها بيتها وعائلة جديدة بدأت بربيع طلق.. ربيع حبيبها وزوجها, ولا تختفي قوافي الفرح مع حب ربيع ومنه الامتلاء.
هدى سلوم