بالتجربة والاجتهاد .. دعوة لأطفالنا لاكتشاف الحياة

الوحدة : 15-8-2021

 كثيرة هي النظريات والمدارس التربوية التي تضخ بنظرياتها ومناهجها ووسائلها الواجب اتباعها في تنشئة أطفالنا وتربيتهم وفق أحدث الأساليب والطرق بما يتماشى مع متطلبات المجتمع على اختلاف مجالاته .. لكن النتائج قد تسير في اتجاه مغاير تماماً لما تمليه علينا هذه المدارس .. فعلى أرض الواقع لا وجود للعالم الوردي الذي نتمناه لأطفالنا وليس كل ما يطلبونه متاح بكل يسر وسهولة . ففي العالم الذي نعيش فيه لابد من أن نتعلم كيفية التعامل مع الإخفاق والظروف القاسية والعمل الشاق من أجل حياة أفضل, ونحن كآباء لا بد أن نساعد أبناءنا على تطوير مهاراتهم للقيام بهذه الأمور ومقاومة تلك المعوقات. فكثير من الأسر يدفعها حب أطفالها إلى الإفراط في العناية بهم, وإسعادهم حتى لو أصبحوا من فرط عنايتهم عديمي الجدوى. ولا يعلم هؤلاء الآباء أن السعادة التي يريدونها لأطفالهم إنما هي حصيلة العمل والجد والاجتهاد في الحياة, وأنها تقتضي أحياناً أن يتذوقوا طعم الإخفاق . ولذلك فإن من الحكمة التربوية أن نؤكد أنه كلما أظهر الأبناء نضجاً ؛ يجب أن نمنحهم المزيد من الحرية في اختيار أفعالهم ونشاطاتهم، بل وتحفيزهم على القيام بما يخصهم من أمور, و هذا يشعرهم بقدرتهم على تحمل المسؤولية, ويعطيهم ثقة في أنفسهم, ولا يجب أبداً زرع الحكمة في أطفالنا أو حرمانهم من الشعور بعواقب أفعالهم، كذلك لا يجب علينا ترتيب أمورهم بأسلوبنا ونظرتنا للحياة وحرمانهم من الاستفادة من الخبرات والمواقف, ولو سببت لهم بعض الألم, فهم بحاجة للشعور بالحياة لكي يتعلموا منها, وليس من الحرص على الأبناء أن نحجر عليهم تصرفاتهم الذاتية والفردية كالتحاور مع الآخرين أو البقاء بلا أصدقاء، فإن ذلك لا يحميهم من الضياع, بل لا نبالغ إن قلنا أن هذا قد يكون من أكبر عوامل التمرد على سلطة الآباء , ومن ثم مصادقة أي كان دون ضوابط أوقيود. ومن هنا وجب تدريب الأبناء على اختيار أفضل الأصدقاء، ولا يعني هذا إجبارهم على أصدقاء بعينهم, وإنما توضيح أهمية الدور الذي يلعبه الأصدقاء في حياة الإنسان، وكذلك لابد من التأكيد على أنه يجب أن نحتفظ بمشاعرنا نحو أصدقاء أبنائنا, ونتجنب إبداء النصائح المباشرة بهذا الخصوص, وإذا أراد الابن قطع علاقته بصديقه؛ فيجب أن يكون هذا قراراً خاصاً به وحده, ذلك لأن أي اختيار خاطئ من غيره قد يدفعه إلى تجنب الأصدقاء جميعاً , والميل إلى العزلة عن المجتمع. ويؤكد أخصائيو علم النفس أن إحدى الأخطاء التربوية الكبرى التي نقع فيها , أننا نريد أن ندخل حكمتنا وتجربتنا إلى رؤوس أبنائنا سريعاً، وعلى الرغم من أن هذه الأمنية جميلة, إلا أننا يجب أن ندرك أن أبناءنا لا يمكن أن يكتسبوا الحكمة بهذه الطريقة ، ذلك أن هناك طريقة واحدة ناجحة ألا وهي المرور بالتجربة والخطأ على مدى فترة طويلة من الوقت. قد تؤلمنا تجاربهم أكثر مما تؤلمهم، ولكننا لا بد أن نوقن أن هناك طريقة وحيدة ليصبحوا ناضجين ؛ بل ومبدعين، وهي أن يكتشفوا بأنفسهم حقيقة الحياة بالجهد والمحاولة، ودون وصاية من أحد فهل نجعل شعارنا جميعاً : بالتجربة والاجتهاد دعوة لأطفالنا لاكتشاف الحياة ! فالطفل لكي ينمو نمواً نفسياً طبيعياً لا بد له من الشعور بالحرية والاستقلال, والإحساس بأنه قادر على تسيير أموره بنفسه دون معاونة الآخرين، وهذه الأمور هي المقدمة الصحيحة لثقته بنفسه, ومن ثم قدرته على تحمل المسؤوليات في مستقبل حياته.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار