هواتف ذكية وحرارة على هامش سهرة (البرندا)

الوحدة 4-8-2021

موجة الحرّ التي تداعبنا هذه الفترة، كان لها وقع كبير على تحركاتنا، وهذا دفعنا لاستنباط أساليب وحيل  للهروب من ضغطها الثقيل على تفاصيل أوقاتنا وخاصة أثناء الليل، ما يزيد الطين بلّة هو التقنين الكهربائي الذي يشارك حالة الطقس بالقسوة والنيل من العزيمة ومن ثم الاستسلام لهذا الواقع الرطب الحارّ وإنجازاته التي يُحدثها بأبداننا وخاصة نحن ممن يمتلكون صحّة ونصح في غير مكانه، وهذا الوضع يدفعنا للبحث عن نسمة هاربة من ثغور الجبال والغابات الرطبة أو من خلال تلك الأمواج الغربية العليلة، حيث الاستسلام القهري على شرفات تلك (البرندا أو البلكون) فتستر عتمة المكان لباسنا الغربي الشرعي المختصَر وتغطّي آثار ما فعلته قلّة الحركة على أشكال البطون والخواصر المهدّلة.

ومن خلال كل ما ذكرنا نصل إلى زبدة تلك السهرات المظلمة، والبدء بمن حولنا فالجميع بدون استثناء يرخي رأسه بين أكتافه مستسلماً لذلك الهاتف اللعين الحديث، حيث يكون الجميع بحالة صمت تام باستثناء بعض الابتسامات العفوية الناتجة عن المحتوى المقروء، كل في عالمه المفضّل عبر برامج ومنصات إلكترونية تمتلك من الشعبية ما يؤهلها لتبوّء المقدّمة بكثافة الزيارات والمشاهدات، ومن هذه المنصات والصفحات (الفيسبوك أكثرها شهرة والواتس أب والتويتر والانستغرام وغيرها..)، والانسجام الكلّي في تصفّح مجريات الأحداث والمستجدات المتنوعة في جميع مناحي الحياة وتلك القدرة الكبيرة الخارقة التي سلبتنا أنصع أيام حياتنا المتمثّلة بالسهرات المشتركة وفوائدها المجتمعية والأخلاقية، وعلى (البلاكين) المقابلة لم يتغير الوضع فوهج وضوء ذلك الّلوح يشير إلى تشابه حالات الهروب من التفاصيل العامة لواقعنا وأمور حياتنا المتشابكة، وبالمقارنة مع زمان غابر حيث نكون جميعاً بحالة صمت وتركيز شديد، ومستمعين جيدين لأحاديث كبارنا سناً وهم يُتلون ما مرّ على زمانهم ، فلا كهرباء أو مدّخرات أو أية تقنية تُنير تلك العتمة الحالكة ،كنّا ننتظر انتهاء الحديث لنتسابق في تقديم مداخلاتنا حول تلك السردات وقفلاتها البطولية، لكن الآن هذا الّلوح أو الهاتف الذكي سيطر على مجريات أوقاتنا، وألغى تبادل الآراء بين العائلة الواحدة والانخراط في المستجدات الحياتية وإبداء الرأي بالأمور الهامة، وعلى المقلب الآخر من البناء والشارع، حيث يتشابه الوضع تماماً مع بعض التعديلات على التصرفات، فهناك الكثير من العائلات التي أتت لهذا الجوار بحكم الحروب، تشتّت بعض أفرادها بغربة قسرية خارج البلاد أو لطلب العمل وتأمين الريع المادي لبقية العائلة، حيث أن هؤلاء الضيوف عن طريق هذا الهاتف وبرامج المحادثة التي يجيدها، يتكلمون مع ذويهم بلكنتهم المُحبّبة في ظلمة ذلك السكون ليقدّموا لمسامعنا بأصوات مرتفعة تفاصيل تلك المكالمة لتكشف المستور من خلالها وتختلط كافة أنواع العواطف والتراجيديا بين أفرادٍ وأهل مزّقتهم غربة الشتات وحربها العبثية التي فُرضت على كامل الجغرافية، ولهذا فإن أضرار تلك التقنية كبيرة ومتنوّعة على الصحة البدنية، وخاصة نعمة النظر، فخلال تلك الحقبة القديمة كان لابسو النظارات في حالة انعدام تام باستثناء بعض الحالات التي خُلقت بحالة مرضية في العيون أو تشوه معين كالحوَل والانحراف، كان رجل الثمانين يقرأ رسائل المغتربين وآيات القرآن الكريم بشكل طبيعي ودون أي معاناة في الرؤية، أمّا الأذية الأخرى التي تفتك بنا فتتمثّل بالضغط المتواصل على فقرات الرقبة وما تمتلك من شبكة معقّدة من الأعصاب بسبب الانحناء المستمر لتلقين هذا الجهاز، أما الجوانب الإيجابية له هي كثيرة ومتنوعة ولا يمكن الاستغناء عنها بسبب دخولها عالم واسع من متطلبات حياتنا حتى البسيطة منها، كما أن لتقنية هذا النقّال الأثر الكبير من خلال الجمع بين الأحبة التي فرّقتهم الظروف وتمكّنوا من التواصل مع ذويهم لتطمينهم لأحوالهم بغربتهم عن طريق التواصل المباشر وبالصوت والصورة على أمل عودتهم من مهجرهم والمشاركة ببناء المجتمع الأُسري والبلاد وإعادة صياغة مستقبل الوطن وتطويره وازدهاره.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار