الوحدة 3-8-2021
يتصل ميدان المؤشرات الاجتماعية بشكل وثيق بحياة المرء ومستقبله وكذلك بالتخطيط الاقتصادي وصناعة القرار السياسي، وفي تعريف مبدئي ومبسط جداً فيمكن القول بأنها عبارة عن مجموعة بيانات كمية أو كيفية عن جانب أو ربما أكثر من زوايا وجوانب الحياة الاجتماعية المختلفة كافة، ويمكنها أن تشير بالدلالة بسبب طبيعتها على واقع هذا المجتمع كاختيار موضوع متوسط العمر مثلاً أو سن الزواج في مجتمع ما أو حتى متوسط كمية الطاقة التي يستهلكها الفرد سنوياً وغيرها، ومن المُلاحظ بأن المؤشرات ليست كلها اجتماعية فبعضها اقتصادي والآخر صحي أو حتى ثقافي وأدبي، ولكن لُب المقصود بصفة الاجتماعية أنها تدل على طبيعة الواقع الاجتماعي أو على نوعية الحياة أو درجات مستوى الرفاهية المجتمعية.
جاءت الدفعة القوية التي تلقتها دراسة المجتمع باستخدام فكرة المؤشرات الاجتماعية من المجال السياسي الراغب في متابعة التغير الاجتماعي ورصده بدقة، واستخدام هذه المعرفة في رسم خطوط السياسة العامة، وهذا ما يُفسر جانباً حساساً من معدل النمو المتزايد في الاهتمام العلمي بتلك المؤشرات، ولعل الوجه الآخر لهذا الارتباط السياسي هو اتصال استخدام المؤشرات الاجتماعية بمفهوم نوعية الحياة الذي تكتنفه القيم و إن كان لا ينقصه العلم ولكنه مشحون بدلالات سياسية بحيث أصبح موضوع تحسين سُبل الحياة جُزءاً هاماً من برامج غالبية الأحزاب السياسية والاتجاهات الفكرية، ولا يصح أن يغيب عن الأذهان أن استخدام مفهوم المؤشرات الاجتماعية كان موضعاً للانتقادات والتحفظات التي كانت تقدح في كفاءتها كأداة لوصف الواقع الاجتماعي والتعبير عنه تعبيراً دقيقاً ولكن الرد على كل ذلك تمحور بأن مبدأ النقد بحد ذاته قد شحذها وزاد من قدرتها وعمق مصداقيتها ورفع كفاءتها بشكل مجاني وبسيط كونه وجّه الأنظار إلى نقاط ضعفها ونبّه حدقات العيون إلى مكامن العيوب التي انطوت عليها استخدامها.
من أمارات الإيجابية في حركة المؤشرات الاجتماعية أن بدأت إبان انتشارها وازدهارها تطرح في العمق بعض جوانب الإشكاليات الفكرية والنظرية المتصلة باستخدامها فعملية اختيار المؤشر ليست قضية يسيرة ومتاحة للجميع لأنها يجب أن تستند وفق الرؤية النظرية للمجتمع إلى إطار نظري يتم في فلكه ونطاقه هذا الاستخدام وتستمد منه تلك المؤشرات دلالتها، وقد عملت حركة المؤشرات الاجتماعية على تحقيق إسهام فريد وإعطاء دفعة قوية للبحث العلمي المتعدد التخصصات كونها بحكم طبيعتها تنتمي إلى فروع علمية متباينة ولا يستطيع باحث واحد فقط الادعاء بالتخصص فيها والتعامل معها بمفرده، وقد أثمر ما تم ذكره من بين ما أثمر بإلقاء ضوء جديد على مشكلات متراكمة تداولها العلماء الاجتماعيون واختلفت حولها اجتهاداتهم مما قاد إلى بعض النتائج غير المتوقعة.
من العجيب بمكان أنه رغم كثرة ما قد كُتب عن مفهوم ومصطلح المؤشرات الاجتماعية فإن مستوى دراية وتفاعل الإنسان العادي بها ما زال متواضعاً أشد التواضع ولذا فإن المشاركة في توجيه مسار الحركة الاجتماعية المستقبلية والنشر والتعريف بهذا الميدان البحثي الهام واجب على كل شخص في المجتمع ولا ينبغي أن يُقصر فيه، ومن الواجب ذكره بأن الفهم الشائع لمدلول المؤشرات الاجتماعية يكاد ينحصر في ناحيتين: الأولى في استخدامها كنوع من الآمال التي لا تخلو من بعض المبالغات أو الإغراق المُفرط في التفاؤل بحيث يُصبح تحسين المؤشر هو الهدف والبديل عن أي رؤية أو تصور استراتيجي، والثانية فهي الصورة الشائعة عن المؤشرات في استخدامها عند تقييم أي صور مشروع اجتماعي والحقيقة بأن المؤشرات بشكل عام تُساهم في توجيه الفعل الاجتماعي على مستويات مختلفة كما أنها تستطيع المساعدة في التحكم في نتائج أي فعل مرغوب فيه أو غير مرغوب.
المؤشرات وإن كانت أداة فعالة و دقيقة و مفيدة إلا أنها ليست في النهاية أكثر من أداة ومن الواجب قبل تحديد المؤشر واختياره اتخاذ القرار من حيث موضوعه ومجاله ونطاق تطبيقه وأيضاً وقت هذا التطبيق وفي نهاية المطاف تتم قراءة تفاصيل المؤشر والوقوف ملياً على نتائج بحثه والتفكر المأمول في ختام ذلك لنشر صورة دقيقة لطبيعة المؤشرات الاجتماعية وجسامة دورها الذي تلعبه في ميدان الحياة المعاصرة وآليات استخدامها نظراً لوجود فجوة واضحة في المعرفة العلمية الدقيقة بالمؤشرات لدى شريحة كبيرة من جمهور عامة المثقفين.
د. بشار عيسى