الشعوب الحية لن يقتلها جوع أو عوز

الوحدة 28-7-2021

 

أقسى درجات الضبوط أصبحت غير مجدية، سواء بضبط المصروف أم بضبط الرفاهية وكذلك ضبط الاستهلاك والتقنين وضبط جميع المستلزمات، وأكثرها أهمية هي ضبط النفس لتفادي السقوط في مستنقع الجلطات والذبحات المفاجئة، وهنا ٩٠% من الناس وقعوا تحت خط التشابه بالواقع والمصير،  لذلك أيها المواطن، عليك بضبط تلك الشبكة المعقّدة من الأعصاب، والابتعاد عن الشحن الداخلي والخارجي فكلاهما يقدّمان نفس الجرعة السيئة، جرعة تنتهي بتسليم تلك الروح إلى خالقها وباريها بدون مقدمات، وأخرى خفيفة تقود إلى النوم الطويل بين أيدي الأطباء والممرضين لعدة أشهر، وبعد تلك النقاهة والتنقّل على مسارح التدريب الطبي كفأر تجارب تجد نهايتك على تلك العربة، وهنا يتساوى الوضع مع طفل حديث الولادة لا قدّر الله بكل التفاصيل والتصرّفات، وفي هذه الحالة يكون الخيار السابق (الموت) هو الضامن وهو المنقذ من بشاعة ذلك الإحساس وخاطره المكسور، ومن خلال النظر إلى الأفق وإلى جميع الاتجاهات، فإن مصير الجميع (تقريباً) مشترك بكل شيء سواء بالأمور الحياتية أم المستقبلية، وهاتان الحالتان من الممكن تجاوزهما بقليل من التركيز والوعي إلى ما يحصل من تطورات متلاحقة لبلدنا التي أرهقتها الحروب العبثية ومفاعيلها على جميع المستويات.

الجميع على دراية بتلك الاستمارة اليومية التي من الضروري تنفيذ أغلب بنودها ابتداءً من رغيف الخبز مروراً بالإفطار ومعركة الغداء وصولاً إلى المهدّئ الليلي وهو فنجان القهوة الذي يتم احتساؤه على وقع سلسلة من التعقيدات والحلقات المفقودة المتمثّلة بمصروف ضخم وراتب عاجز، وتلك التفاصيل أصبحت بمتناول الجميع لكن بنسب متفاوتة مع اضطرار البعض لشراء مكملات غذائية تلبّي حاجة أبدان أطفال ويافعين جلّها من الفاكهة والأجبان واللحوم، بالمقابل هناك عائلات غير قادرة على الدخول في هذه المغامرة بسبب ضعف المردود المادي الذي بالكاد يقدّم الخبز وبعض الخضار.

 أما وبلدنا في وضع ضاغط فإن هذا الوجع قد أصاب مجتمعات كبيرة منذ عقود من الزمن وخاصة البلدان التي دمّرت الحروب العالمية مقدراتها وقضت على نسبة كبيرة من سكانها، وشيئاً فشيئاً عادت الأمور إلى نصابها وبدأ التعافي يرمّم جميع مفاصل الحياة، لم يُذعنوا للخراب، عادت عجَلة الحياة تمسح ذلك الغبار، لكن الغول الجديد والمحرّك الأساس الذي يتمرّد على نفوسنا ويزيدنا كآبة وبؤس هو (الأنترنت) تلك الشبكة المعقّدة لنقل البيانات وتفريغ الطاقات من شتم وتهييج مشاعر عبر أنواع مختلفة من الوسائل وأهمها منصّات الفيسبوك، يديرها مخرّبون من الخارج، وهي حضارة ذو حدّين يتم عبرها بث الفتن والرُعب وخلق الأكاذيب عبر صفحات صفراء غايتها معروفة، همّها تعميم ثقافة الكره والانتقاد الّلاذع بدون تفكير وتنفيذ أجندات بشكل مجاني لعدو متربص، وهنا أصبح الجميع محلّلين ومنتقدين أجهزوا على قامات اقتصادية وسياسية ووزارات، تناولوا مفاصل الدولة بدون تفكير، توسّعت رقعة التنمّر، بثوا مقاطع قميئة مُهينة لتكوين آراء لطالما حلم الأعداء بتمريرها..

صبرنا على جراح ومآس كثيرة، اختلطت خلالها جميع أنواع اللحظات السلبية من فقدان أمل بالاستمرار ورؤية غير واضحة المعالم لمستقبل لطالما رسمنا خطوطه بألوان العيش المشترك، وتطوير البنى التحتية لجميع مفاصل الحياة، وبعد هذا النضال المرير وأعوامه الدموية التي انطوت، عشنا مرارة أيامها بقوافل من شهداء قضوا لقضيتهم خرجت مناطق عن السيطرة ليحكمها حدّ السيف وتعاليم المشعوذين المتطرفين الذين يرسمون الفكر المتصهين بجوانبه العديدة، ليخرج الآن جهبز ضال من بيننا كما خرج غيره يضع (مياعته) الممزوجة بالغباء ويعبّر عبر تلك الشبكة عن استيائه المفرط من خدمات الدولة التي لا زالت تحت وطأة الحرب، يُفرغ بعض ما لديه من قلّة أدب وضعف حيلة ودراية، ليتساوى مع خونة بأسمائهم المعروفة، ويتلقّف ذلك المشهد صعلوك (قسد) الضائع (س . متيني) ليتاجر بغباء ذلك الضال، وإظهار صعوبة وكارثية الوضع الداخلي الذي نعيشه، أما نحن الذين حلّت علينا كل أشكال الوجع والقهر والحرمان ولا زلنا متمسّكين بأصولنا ولن نرضخ لجوع مهما تعاظم وتجبّر ولن نترك مصيرنا بأيدي صنّاع الموت، اللاهثين لسقوطنا وتشرّدنا.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار