العنف والعدوانية عند البشر

الوحدة:10-7-2021

يتفق العلماء على وجود أشكال وأنماط من التصرفات العدوانية، تختلف باختلاف أعمار وأجناس وثقافة الأفراد، ما يعني أن بني البشر ليسوا سواء في استعدادهم للتصرف بعدوانية، لكن العلماء ما زالوا يبحثون في الدوافع التي تقضي إلى السلوك العدواني.

إن من الصعوبة بمكان إعطاء تعريف مرضٍ للعدوانية، لأن الأمر لا يتعلق بمفهوم، بل بكلمة ثرة تحمل بين طياتها العديد من الدلالات اللغوية المؤتلفة في معنى مركب ومثير للمشاعر، ولكنه صعب التحديد، فهناك أشكال من العدوانية تبدو ضرورية للفرد لبناء نفسه وتأكيد ذاته في وسط معاد لتطلعاته، وهنا تكون العدوانية رد فعل لإنقاذ النفس من مخاطر محتملة أو محدقة، وهي بهذا تصرف مدفوع بطاقة خاصة تتفجر في عروق المرء للبقاء على قيد الحياة.

بيد أن هذا الشكل من أشكال العدوانية يختلف أيما اختلاف عن تلك المشاعر المقترنة بالعنف، والتي تتفجر عادة بين الجماعات البشرية لأسباب تبدو في ظاهرها غير منطقية ولا تتفق مع حجم التدمير الناجم عن مثل هذه التصرفات.

فالعنف بين الدول مثلاً يستجيب في الكثير من الحالات لضرورات إرضاء حاجة أساسية من حاجات الحياة، كالبحث عن الطعام، وإنما لتحقيق رغبات الهيمنة وسحق الآخر، وفرض الرأي، والمحافظة على الكيان.

إن الأشكال المتعددة للعنف والعدوانية تثبت تعدد أسباب ارتكابها وبقاء نتائجها حتى بعد انتهائها.

إن العدوانية والميل إلى (الاحتراب) سمتان أساسيتان، حتى ليصعب معها تخيل وجود فرد إنساني مسالم تمام المسالمة.

العدوانية عبارة عن غريزة طبيعية يشترك فيها الإنسان والحيوان، غير أنها عند الإنسان لا تتحول، بفضل ذكائه إلى حتمية بيولوجية إذ ليس كل البشر على استعداد لأن ينبشوا أظفارهم في جسدك لأنك اعتديت عليهم بصورة من الصور ومع هذا فإن قضية العدوانية وأشكال العنف تظل جزءاً من النظام الاجتماعي والثقافي للجنس البشري.

وفي واقع الأمر، فإن التصرف العدواني يمكن أن يعد طريقة في التعبير والإنجاز، تمارسه المخلوقات الحية لتنظيم العلاقة فيما بينها، وذلك عندما يواجه الفرد موقفاً غير مريح أو تهديداً أو إذلالاً من نوع ما.

وأن وجود أصول بيولوجية في أي استجابة عدوانية، ذلك أن السياقات العصبية التي تحدث حين الشعور بمسببات العدوانية، تنقسم لدى الكائن الإنساني على شكل أنظمة استجابات دماغية متخصصة بالعقاب والاشتهاء، أي أن النظامين يخضعان إلى فكرتي الرفض والرغبة، فحين يكون الإحساس بالاعتداء شديداً يكون لنظام الرفض قدرة على تحريك قوى الدفاع والهجوم، فيما يكون نظام الرغبة واللذة في أقوى نشاطه خين يختفي الإحساس بالتهديد.

وعلى الرغم من هذا التوصيف فإن العلماء يذهبون إلى القول بشدة تعقيد النظام العاطفي عند الإنسان مقارنة بذلك الموجود عند المخلوقات الأخرى، بما في ذلك القردة، فالإنسان قادر على خلق حالة من التعاطف حتى مع ما يهدده إما اتقاءً لشره وإما لانتظار فرصة أخرى للرد عليه، وإما لأسباب أشد عمقاً، مثل الدوافع الدينية والأخلاقية،  ففي حالة الاستجابة الإنسانية لحالة تهديد من نوع ما يمكن لروح التسامي أن تلعب دوراً لمصلحة الابتعاد عن العنف، حتى وإن كان بمقدور الذي يتعرض للتهديد رد الصاع صاعين.

ومن وجهة النظر البيولوجية البحتة يخضع الجهاز العصبي إلى عدد من الهرمونات، مثل المورفين اندوحين (الانكفالين والأوندورفين) والتي تعمل على تعديل الاستجابة العصبية بحسب قدرة الدماغ ومراكزه العليا على تحديد درجة التهديد، بيد أن الأمر يخضع إلى معادلات شديدة التعقيد يلعب النص الجبهي (الناصية) من الدماغ دوراً رئيساً في تنظيمها، بعد أن خضع هذا العرض إلى مراحل مستمرة من التطور خلال فترة طويلة ودهور مستمرة، لكي يتميز الإنسان عن بقية المخلوقات في قدرته على قراءة الواقع والبيئة التي يعيش فيها، لدرجة أن إنسانية الإنسان اعتادت على درجة التطور التي بلغتها الناصية، تلك القشرة الدماغية التي تعد المركز الأساس لجميع أشكال التصورات التي يكونها الإنسان عن العالم المحيط به.

لمي محمد معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار