هل أنت والد مكتئب؟

الوحدة : 27-6-2021

يشكو العديد من الآباء من تصرفات أطفالهم العدوانية، وتشكو المدارس للآباء الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع المشكلات النفسية للأبناء والبنات داخل البيت، ويتحول أطفالنا بشكل متزايد إلى بئر من الشكوى لا تنضب.

وهذه مشكلة تتكرر في جميع الثقافات في السنوات الأخيرة، وتتزايد نسب الأطفال الذين يعانون مشكلات التركيز والتحكم في أنفسهم داخل الفصل الدراسي، ويلقي بعض الناس اللوم في تفاقم مشكلات الصغار على ألعاب الفيديو والطلاق وانشغال الأبوين وغيرها.

وفي اللحظة نفسها يرصد المتخصصون أن بعض الآباء يعانون الاكتئاب، والاكتئاب هنا يعني بضعة أيام من مزاج سيء، ولكن الأمر يتجلى في صعوبات العمل والعلاقات الاجتماعية، ويربط المحللون وأصحاب مؤلفات الاكتئاب بين صعوبات الأطفال الدراسية وتزايد نسب الاكتئاب لدى الكبار.

إن أول سؤال لا بد أن يطرحه معالج نفسي على وشك التعامل مع طفل على نفسه، هو: هل يعاني أحد الوالدين اكتئاباً؟ وترصد العديد من الدراسات أن أطفال الآباء المكتئبين تتزايد لديهم احتمالات الإصابة بالمرض نفسه، إضافة إلى ظهور اضطرابات سلوكية لديهم.

فالأم المكتئبة لديها صعوبة في إظهار مشاعر طبيعية تجاه أطفالها، وهي أقل إحساساً باحتياجاتهم، وأقل حساسية لمشكلاتهم، وهؤلاء الأطفال يبدون أكثر انعزالاً عن الأنشطة الاجتماعية لأقرانهم، ومن الصعب إطعامهم أو تهدئة غضبهم.

ويكبر هؤلاء الأطفال قليلاً  ليظهروا قدراً أكبر من العناد والتصرفات العدوانية ورفض السلطة، وهذا يغذي إحساس الآباء بالفشل فتزداد عصبيتهم ويتعاظم إحساسهم بالفشل فيفقدون قدراً أكبر من السيطرة على أنفسهم، وهكذا تدور الدائرة المفرغة لآباء مكتئبين يفشلون في التعامل مع أولادهم، وعندما يسوء حال الأولاد يزداد اكتئاب الآباء.

ويكبر هؤلاء الأطفال وهم يشعرون بأنهم لا يستحقون الحب وبأنهم خارج السيطرة، وأنهم عبء على المحيطين بهم.

 إن أي طفل لا يعرف كيف يجذب انتباه أبيه أو أمه يتحول إلى طفل مثير للمتاعب،  ولأنه لا يملك إحساساً بتميزه كإنسان فإن احتمال إصابته بالاكتئاب وارد، ربما أنه لم يتعلم التحكم في تصرفاته فإنه يصبح منبوذاً في مدرسته وفي عمله لاحقاً ويتردد تساؤل أي نوع من الآباء أو الأمهات سيكونه هذا الطفل عندما يكبر؟! هل ستمرر الدوائر المفرغة نفسها مع أطفال يولدون لآباء مكتئبين!

المشكلة أن نسب الاكتئاب تتزايد والأسباب عديدة ولكن الكثير من الناس لا يعرفون ما يمرون به على أنه اكتئاب يتطلب علاجاً، هم فقط يرون أن الحياة سيئة والأطفال مشاغبون وأنهم آباء وأمهات فاشلون لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن معالجة اكتئاب البالغين أسهل كثيراً من تعليم الصغار النظام والسيطرة على الذات والتفاعل الاجتماعي والتعليمي الصحيح وهذه ليست مشكلة هينة على الإطلاق لأن الاكتئاب مرض معدٍ، وحتى لو لم ينتقل مباشرة إلى الطفل فهو بالتأكيد يؤثر بسلوكياته سلباً.

قبل أن نلقي بالاتهامات العشوائية على جيل أطفالنا بأنهم سيئون ومثيرو متاعب، علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن في حالة نفسية سليمة؟ هل انعكست اضطراباتنا على أطفالنا من دون أن ندري؟ هل نسينا أننا المصدر الأول للطاقة،  إن كنا نبعاً للمحبة والنور والثقة سيكبر أولادنا هكذا، وإن كنا مصدر غضب وعدم رضا وعراك مع الحياة، كيف نتوقع من أطفالنا أن يكونوا أي شيء غير ذلك؟

لمي محمد معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار