الوحدة 22-6-2021
هذه الأيام تسوقنا إلى عقود عديدة خلت، فهي أيام الخير وتحضير جزء من مونة الشتاء القاسي، كما أنها كانت عرف سنوي يمارسه أهل الريف والقرى وهي تحضير مؤونة البرغل أو كما يقال عنه (بسامير الرُكب)، جميع أهالي القرية بحالة استنفار يشبه الاحتفال بحلول الأعياد، حيث يتم التحضير لسلق القمح بكميات متفاوتة حسب حجم العائلة ومن الإنتاج المحلي الخالص، حيث تتم قبل ذلك عملية تنقية حبات القمح من قِبل جميع أفراد العائلة وفي جميع الأوقات بسبب الكميات الكبيرة المنوي سلقها، وفي هذه الظروف من الممكن اشتراك الجيران أو الأقارب في بتلك الحفلة المتعبة يتخلّل تلك الجلسات حكايا وروايات من قبل كبار السن الذين يتزعمون تلك الجلسات وبنوع من السلطة الإقطاعية الآمرة الناهية وذلك عن حسن نية بسبب ضعف بصرهم ،فلا يسعهم بتلك الجلسات سوى إظهار عظمة شبابهم وبطولاتهم الخارقة أثناء عمليات نقل الحبوب بأنواعها إلى مسافات بعيدة حيث الطاحونة التي يتجمّع حولها رجال وشباب من جميع القرى المجاورة وكيف كانت الضباع تقوم بقطع طرقاتهم وأحياناً مرافقتهم بسلام إذا كان عددهم كبير.
وبالعودة إلى عملية السليقة حيث يتم تنظيف القمح و(تصويله) بالماء ليتم التخلص من التراب والشوائب العالقة، وغالباً تتم هذه العملية عصراً لتخفيف حدة الشمس وحرّها ويستمر هذا حتى بزوغ الصباح أحياناً فيقوم الرجال بتحضير الموقد الضخم الذي سيستوعب وعاء (القصّة) وهي عبارة عن جزء من برميل كبير على الغالب تكون بمقدار ثلثه، وهنا تكون أدوات تلك النار جاهزة لعملية السلق الطويلة بتحضير جزوع كبيرة الحجم لتبقى في حالة اشتعال لمدة طويلة من الزمن، حيث يسكب الماء فوق المقدار المنوي سلقه من القمح حتى يُغمر وقد تستغرق عملية غليه عدة ساعات وعند البدء بانتفاخ حبات القمح فهذا يدل على النضج والاستواء ،وفي هذه اللحظات تكون القِفف الكبيرة المصنوعة من القش السميك بانتظار الإنتاج ونقله إلى أسطح المنازل التي تمت عملية تنظيفها وشطفها للقيام بفرش الحنطة، وهنا يكون دورنا قد بدأ بتحضير الصحون لتناول تلك الوجبة العامرة سواء بإضافة الملح أم بوضع السكر حسب الرغبة ليكتمل مشهد مونة الحنطة بعملية (التشميس) لعدة أيام لتُرسل بعد ذلك إلى طاحونة البرغل أو الجاروشة لطحنها حسب الرغبة من حيث نعومة أو خشونته البرغل (بسامير الرُكب).
سليمان حسين