العـــــدد: 9310
الثلاثــــاء 12 آذار 2019
يحار القلم ويعجز اللسان من تاريخ العلاقات الأخوية السورية – الإيرانية، وكيف يمكن لنا أن نصف تلك العلاقات، وبأي العبارات، فقد بلغت هذه العلاقات مستوى قلما تصل إليها نظيراتها على المستوى العالمي.
وكي نتعرف أكثر على طبيعة هذه العلاقات ومستواها سلطنا الضوء على محاضرة للدكتور عيسى درويش بعنوان: تاريخ العلاقات السورية – الإيرانية ألقاها في المركز الثقافي الإيراني باللاذقية وقدم لهذه المحاضرة السيد حسن الحسيني مدير المركز والملحق الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
منوهاً في بداية حديثه إلى أن هذه المحاضرة تأتي ضمن سلسلة من الندوات والمحاضرات التي سيقوم بها المركز الثقافي الإيراني بشكل دوري.
وبدأ الدكتور عيسى درويش محاضرته بالحديث عن أهمية عنوان المحاضرة وهو تاريخ العلاقات السورية – الإيرانية، والحديث يطول عن بلدين يربطهما أكثر من مجال والبداية كانت بالمجال التاريخي وأرجع العلاقات في منطقة الشرق الأدنى قبل الإسلام إلى الحركة النشيطة بين الإمبراطورية الفارسية القديمة وبين الممالك والتي كانت في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام وقد أعطت هذه العلاقة في زمن السلم والحرب علاقات تبادل ثقافي وتجاري وحضاري.
وقبل الإسلام كانت مملكة المناذرة تقيم حلفاً مع بلاد فارس، كما أن سيف بن ذي يزن، قد طلب نجدة من ملك فارس للوقوف ضد الأحباش في غزوهم لليمن، وقد لبّى الملك الطلب وأرسل نجدة إلى اليمن، وتمت هزيمة الأحباش ويقول المؤرخون إن هؤلاء الجنود بقوا في اليمن إلى أن جاء الإسلام، ودخلوا في الإسلام وأطلق عليهم الأولياء، وساهموا في حملات المسلمين على الروم في فتح بلاد الشام، ويقول بعض المؤرخين أن علاقة العرب في شعوب فارس قد عززت الوحدة بين شعوب المنطقة، حيث أعطى الفرس للعرب الحضارة وأخذوا من العرب الإسلام، وهذا سيبرز أثره في مراحل لاحقة من التاريخ حيث برزت أسماء تاريخية في الحضارة العربية الإسلامية أمثال: ابن سينا، ابن المقفع والفارابي، وسيبويه.
وتحدث الدكتور عيسى درويش أيضاً عن الإطار الجغرافي وأهمية موقع إيران الحالي الموقع الاستراتيجي وتنوع الطبيعة والغنى بالثروات الزراعية والمعدنية وأهمها البترول والغاز أما سورية فيقول هنري بولر: إن سورية كانت دائماً تعد لدى أولئك الذين أنشؤوا إمبراطورياتهم في الشرق المرتكز الخاص الذين يبنون عليه أي تخطيط للفتوحات الشرقية فهي في الواقع حلقة الاتصال بين أفريقيا من جهة وآسيا من جهة أخرى.
ويقول الصحفي البريطاني باتريك سيل في كتابه عن القائد المؤسس حافظ الأسد: إن من يقود الشرق الأوسط لا بد له من السيطرة على سورية، من جهة ثانية كانت سورية منبع الأفكار الوطنية والقومية في الوطن العربي.
وعن الموقف السياسي تحدث الدكتور عيسى قائلاً: تميزت سورية بالتنوع الديني والأثري وتعايشت هذه المكونات مع بعضها عبر العصور وبعد دخول الإسلام إليها وسورية هي بلد السيد المسيح انصهر الجميع في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية ثقافة واقتصاداً ولغة وحضارة.
وتابع القول: لقد عانى البلدان من المطامع الاستعمارية، وبالرغم من تباين الخط الإيديولوجي لكلا البلدين من حيث تبني إيران للدين الإسلامي الحنيف والفهم الصحيح للقرآن والحديث الشريف وتراث أهل البيت، وتبني سورية للخط القومي الاشتراكي وهما وإن اختلفتا في النظرية، فقد اتفقتا في الموقف من النضال المشترك ضد الهيمنة الأمريكية الصهيونية على المنطقة، إضافة إلى ما يوحد البلدين في الدين وتعاليمه السمحة فهناك قوائم مشتركة منها أن البلدين مستهدفان من قوى الاستكبار العالمي، وأن البلاد العربية والإسلامية تواجه نهباً لثرواتها وإذلالاً لكرامتها الوطنية وأن ما يجري في الإقليم يهدد السلم والأمن الدوليين وذلك لأهمية المنطقة سياسياً واستراتيجياً، إضافة لإذكاء الخلافات المذهبية والعرقية وامتداد المؤامرة إلى لبنان وفلسطين واليمن وليبيا وتهديد دول عربية أخرى وتعاظم الدور الإيراني- السوري ومحور المقاومة والممانعة.
وعن الأهداف المشتركة تحدث الدكتور عيسى درويش قائلاً: قال القائد المؤسس حافظ الأسد رحمه الله: إن لنا نحن العرب مصلحة ولإيران مصلحة، وأتمنى أن يكون هذا الغطاء الواسع والهام الذي نستظل به تاريخياً هو الإسلام مفيداً في تسوية جميع وجهات النظر التي قد تتضارب بما يخدم الجميع وفي ضوء مصالح الجميع.
ويقول الرئيس بشار الأسد في حديثه لجريدة الدمام 2009: لو عدت إلى هذه العلاقات من عام 1979 بعد قيام الثورة فهي علاقة ثابتة واستراتيجية وتتطور باستمرار وأثبتت فاعليتها وأهميتها ثم تابع قائلاً: ليس لنا خيار سوى أن تبقى علاقتنا مستقرة ومستمرة.
ولقد اتخذت العلاقات السورية – الإيرانية منحىً تطويرياً متقدماً في ظل توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد وتوجيه الإمام المرشد آية الله علي الخامنئي، وإن ملخص الأهداف المشتركة بين البلدين هو وحدة الهدف السياسي وهو النظرة المشتركة للخطر الذي يهدد الدولتين ووحدة النظر للخطر الصهيوني المدعوم أمريكياً ومواجهته، وتوحيد الجهود الأمنية والاقتصادية وتوسيع التبادل التجاري وتعميق البحث العلمي وتعزيز التبادل الثقافي.
ولقد وصف الإمام الخامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية الرئيس بشار الأسد بالقائد المقاوم الشجاع، ومن التصريحات المشتركة للقائدين نستدل على أن العلاقة ستبقى راسخة وقوية وذلك لتلاقي الأهداف الاستراتيجية والمصالح المشتركة للبلدين وهذا يتطلب متابعة الجهود لإقامة شرق أوسط عربي إسلامي لا مكان فيه لإسرائيل والدول الاستعمارية، منطقة يسودها السلام والتعايش بين الشعوب وتحرير فلسطين والبلاد العربية والإسلامية من الظلم والهيمنة وتحرير المستضعفين ونتوقع والحديث للدكتور عيسى استمرار المعركة وشدتها والأمل معقود على محور المقاومة، وأنهى الدكتور عيسى درويش محاضرته قائلاً: يقول الباحث جون أرتربيري: تشكل العلاقة الإيرانية- السورية واحدة من أقوى وأضخم علاقات الدعم والإسناد في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، فالتحالف جاء إثر ضرورة تاريخية وإبقاؤه سليماً يعود بالنفع مباشرة على الحكومة الإيرانية من نظرة استراتيجية أو إيديولوجية ويشكل الحفاظ على هذا التحالف حجر الزاوية في السياسة الخارجية الإيرانية، أما الصراع في المنطقة سيزداد احتداماً وسيكون النصر حليف الحق والشعوب المناضلة من أجل الحرية والتقدم والسلام.
رواد حسن