زوايا…

الوحدة : 7-5-2021

 

الزاوية التي يهبط منها السيل شديدة الانحدار وصخرية، ولا مكان فيها لموضع جلوس، ومن جلس في طريق السيل هلك فكيف بمن اختار زاوية انحداره

ليقيم فيها!

ومن اختار زاوية النسيان مرت من خلف ظهره الدنيا أن تشعر بوجوده.. والدنيا إقبالها وإدبارها فإذا كنت في طريقها وهي مقبلة، رأيت العجب العجاب، ونامت عنك الحوادث، وصحت تسامرك الأماني، وأغدقت عليك أيدي الجود بعد حرمان، وأكملت من ابتسامك ثغور لم يدر في خلدك أنها ستبتسم لك ذات يوم فنمت قرير العين وصحوت هانئ البال، وليس لك إلا حمد وشكر لهذه الدنيا الممتعة، والتي وهبتك ما وهبت دون كثير ذكاء منك، ولا وسع حيلة بل على العكس ربما تكون إنساناً سيء التدبير لا تحسن شيئاً..

ولكن لا تخف فإنها حين إقبالها تسد خلتك وتداري عيوبك، فيراك الناس شخصاً مكملاً لا عيب فيك سوى أنك فانٍ، ولا مثلب لك إلا آفة النسيان خاصةً نسيان أيامك الخوالي حين كنت نكرة مقيماً ذات يوم في زاوية النسيان، والتي سترجع إليها إذا قابلتك الدنيا في طريقها أثناء إدبارها، إذ ستريك من أمرها أيضاً عجباً من الأمر، ولا ينبئك مثل خبير، فسوف تسلبك كل شيء حتى الذي كنت راغباً في التخلص منه سوف تجذبه من يدك جذباً..

والسؤال هو..  أي الزاويا عليّ أن أختار، إذا كان لكل زاوية عيوبها؟! والجواب أنك لست وحدك الذي يختار زاويته التي يعيش فيها، إذ أن الأقدار تضعك منذ البداية في موضع يصعب اتخاذ غيره، فإذا كنت متحدراً من بيت ثراء وعزٌ فإن مسافة طويلة يكون القدر قد اختصرها عليك، إذا كان لك أن تعيش في الزاوية الرئيسية المطلة على (أربعة شوارع) الحياة حيث كل شيء متوافر لك بالمجان.. 

أما غيرك فلا يكادون يحلمون به،  وكذلك إذا كنت على النقيض متحدراً من أبوين ليس لهما من حطام الدنيا سوى تلك الزاوية الجانبية التي لا يعبأ بها أحد في زقاقِ ضيق وقاسٍ ومنسي من الحياة، فإن خروجك مجرد خروجك فقط من تلك الزاوية يعد أمراً جللاً وإنجازاً عظيماً.. فكيف بك إذا كنت من القابعين في الزاوية الأولى، حيث الشمس والنور والهواء والعشب الأخضر؟

فمثل هذا لا ينبغي لك أن تحلم به لأنك تحمل نفسك وأعصابك فوق طاقتهما…

ولهذا فإن الحياة مزيج من نقيضين.. أولهما الحظ وثانيهما العمل والجد، والذي عليك أن تفكر فقط ، لأنه هو الشيء الوحيد الذي بإمكانك فعله.

أما مسألة الحظ فهي شديدة التعقيد إلى درجة أنها تحتاج إلى أكثر من زاوية لمجرد التعريف بها فكيف بالحديث  عنها بينما مساحة زاويتي ضيقة إلى درجة لا تسمح بالتلميح فما بالك بالتصريح؟

لمي محمد معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار