عنف المراهقين.. أسلوب اتصال مع العالم الخارجي

الوحدة:1-5-2021

ذلك الملاك الذي يفيض طفولة سرعان ما تحول إلى مارد لا يحد عنفه شيء،

فهو يصفق الباب خلفه بقوة، وينفر من أي نصيحة أو وصية تسدى إليه، ولا يحتمل  مداعبات أحد.

لقد صارت العدوانية سمة بارزة لأفعاله السلوكية اللفظية والحركية، ولم يعد التوبيخ يدفعه إلا إلى الانغلاق على نفسه في غرفته متعمداً رفع صوت جهاز التسجيل بموسيقاه الصاخبة، وكأن كل أفعاله تتجه بقوة إلى بذر الفوضى.

في رتابة البيت، وحين تمنعه من الخروج من البيت، لأن الوقت منتصف الليل، فإنك لا تسمع منه إلا عبارات جافة من مثل (لم أعد طفلاً ) أو (الأجدر بكم أن تخافوا على أنفسكم).

إن مثل هذا السلوك الذي يبدو عند بعض الآباء شاذاً وغير محتمل، يعد من التصرفات السائدة بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12-16 سنة، وغالباً ما تكون شدة إيقاعه أكثر إثارة عند الذكور منه عند الإناث، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود فتيات أكثر عنفاً من أقرانهم الأولاد.

هذه التصرفات ينظر إليها على أنها مفردات تعبير وأسلوب اتصال مع العالم الخارجي وطريقة تعامل لا يجد المراهق بديلاً عنها أما أسبابها ودوافعها الكامنة فمتعددة وتندرج تحت تسميات متباينة منها ما يعود إلى العاصفة الهرمونية التي تجتاح كيان المراهق، ومنها ما يعبر عن انكسارات وهزات شديدة في أرض الشخصية الجديدة التي على المراهق أن يتخذها لبوساً له، بعد أن فهم بعمق أن زمن الطفولة قد غادره، وأن عليه مواجهة حقيقة الأشياء، ومن هنا فإن العنف الذي تتسم به تصرفاته إنما يترجم بدرجة أو بأخرى مشاعر الحيرة إزاء خيارات المستقبل، والحيرة المختلطة بالطاقة الحركية عند المراهق لا بد من أن تلعب دورها البنائي في تكوين نفسيته الجديدة، هذا الدور الذي يتمثل أصلاً في استنزاف الطاقة الحركية والنفسية على شكل حركات عنيفة غير مؤذية، فإغلاق الباب بعنف أرحم كثيراً من كسر زجاج سيارة الآخرين أو التفكير بالانتحار، وعلينا ان نفهم أن العاصفة الهرمونية في هذه السن، تجر وراءها تحولات جسدية كبرى فهرمون الذكورة

(اندروجين) يبدأ بتمزيق تلك الملامح الطفولية الوديعة ليحولها إلى فيزيولوجية خشنة قادرة على مقارعة قسوة المادة وصرامة الظروف، فشلال الهرمونات الذي يهطل على هذا الجسد والذي يزيد من حدة العواطف وردود الأفعال القوية، تزعجه أي تحديات تحاول صد اندفاعه، لذا فالمراهق ينظر بأسى لهذا التغير الذي طرأ عليه ولا يملك مفاتيحه، ولكنه يرى فيه الطريق لشق قسوة الشرنقة والتناطح مع الحياة غير أن أكثر ما يثير إزعاج المراهق هو شعوره الطاغي بعدم قدرة والديه على فهم تلك التغيرات أو سماع وجهات نظره التي تأتي سريعة، متداخلة متدفقة لا رابطاً واضحاً بين أفكارها، لكنها وبكل تأكيد تملك وخدة بنائية لا يستطيع فك شيفرتها إلا الآباء الذين فهموا ملكوت المراهق واستوعبوا عالمها المتأجج.

إنه ملكوت، ولاشك لأن للمراهق دنياه المتميزة ذات الألوان المتفردة، لقد غادرته أيام الطفولة أما الرجولة فيجري توكيدها بأعمال متميزة ما زالت بعيدة ومضنية، هنا ينصح الآباء بالاهتمام الزائد برغبة المراهق في فتح حوار، لأن أكثر ما يثير حنقه ويزيد من انطوائه محاولات صده بعبارات من مثل ليس الآن، أو… لدي أعمالي الأهم، أو أنا متعب لنؤجل هذه التفاهات إلى ما بعد..

فهو لا يزال يحتفظ ببرامج الطفولة التي لم تعد تلائم عمره، لكنه لم يتوصل بعد إلى بدائل لها، وقد يلجأ المراهق أيضاً إلى ما يسميه علماء النفس فوضى التغذية، فتندفع شهيته لالتهام الكثير، ثم لا تلبث هذه الشهية أن تستحيل إلى عزوف عن الطعام وقد يلجأ إلى إحداث تغيرات فيزيولوجية ظاهرية مثل الوشم أو تغيير قصة الشعر أو وضع الأقراط والسلاسل أو التدخين أو ممارسة الرياضة العنيفة، ويسبب انهيار مفردات لغة  التفاهم مع الأهل، فإن المراهق يوجه تيار عنفه نحو كل ما يمثل السلطة اعتباراً من أنوار الطريق العامة وانتهاء بأثاث المدرسة ومقتنيات البيت، فتتراوح شدة العنف من الصراخ ورفع نبرة الصوت إلى الكلمات النابية، وانتهاء بالرغبة في التحطيم وبث الفوضى، مع أن هذا العنف يستثني وبشكل عجيب الأصدقاء من نفس الجنس، فهؤلاء هم العون في شدة المراهقة، إذاً على الآباء عدم التقليل من شأن هذا العنف مهما بدا لهم تافهاً، إن زيادة حدته قد تترجم اختلالات ذهنية وسلوكية تحتاج إلى معالجة وأساليب امتصاص لا يتقنها إلا العارفون.

لمي محمد معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار