المنطقة الصناعية وخطر الوقوع في مستنقع وُحول (تجّارها) الميكانيكيين

الوحدة:8-2-2021

 

يبدو أننا أصبحنا في الزمن الأخير المتردّي، أو كما يقال في أيام قد يسرق الأخ أخاه، أصبحنا نسمع ارتكاب فواحش وسلب الأرزاق على مسمع ومرأى الجميع، قلّة الأمانة انتشرت بشكل كبير وكذلك السرقة الموصوفة لأموال الغير، لكن هناك بصيص أملٍ محدود من الممكن أن يتطور ويرى النور من خلال البعض الذي يكتنز من الإيمان والثقة المطلقة بحتمية انتصار بذرة الخير على الشر، بداية ما سبق ينطبق على بعض شذاذ الآفاق ممن يعيشون على الكذب والنفاق في المنطقة الصناعية لإصلاح السيارات، فإذا كنت تمتلك سيارة قديمة أم حديثة ووقعت في براثن الإصلاح فأنت محكوم بجبروت تلك الفئة من سالبي المال والقبول بقضائهم غير العادل ثم الدفع بالتي هي أحسن لأنك ستعود إلى تلك المِقصلة ولو بعد حين بسبب القبول والرضا بما لقّنك ذلك الجشع، فقد كان هذا الشرير يعرف بأنك ستعود إليه ثانية عندما تُستهلك تلك القطعة المستعملة التي وضعها داخل غرفة محرك سيارتك، طبعاً هو يرشد الزبون الضحية إلى أمرين كلاهما أمرّ من الآخر، على سبيل المثال (طرمبة مياه أو هيدروليك أو أتمصور أو أي قطعة أخرى) يدلّك على من يمتلك القطعة الوكالة حيث سعرها أكثر من ١٥٠ ألفاً أو عليك الذهاب إلى تاجر المستعمل فتعرض عليه طلبك وبالكاد يرنو إليك وبقلّة احترام يرميك بثمن تلك القطعة البالغ ٧٥ ألفاً ثم يعطيك درساً ميكانيكياً عن أهمية هذه القطعة اليابانية أو الأوروبية المستعملة التي تضاهي الجديدة سيئة الصنع، وهذا أفضل الشرّين بالنسبة لمالك السيارة المحكوم بمشورة هذه الجماعات، وهذا المبلغ هو أكثر من راتب الفئة الوظيفية الأولى، طبعاً أنت لم تنته من قصص الدفع، فهناك بعض المكمّلات التي عليك شراءها من تلك السوق السوداء بالإضافة إلى آجار اليد الذهبية المرصّعة التي أكرمتك بتركيب تلك القطعة المستعملة المتهالكة التي لا تقل عن ١٢ ألف ليرة وبزمن يقدّر بربع ساعة مع استنشاق سيجارتين من التبغ الأجنبي، لكن بالنهاية أنت اخترت المستعمل وهو أرشدك إلى الحيتان واللصوص، حيث ستعود إلى ذلك الميكانيكي المعلّم بعد فترة بعطَب نفس القطعة وعندها سيقول لك كان بمقدورك شراء القطعة الوكالة المضمونة.

نعود إلى أصحاب الضمير الحي والإيمان بالمال الحلال، ولو كانت نسبتهم قليلة لكن هم يعطونك فكرة كاملة عن وجود الخير وصنّاعه، طبعاً هم لا يملكوا محلات في المنطقة الصناعة، هم يعملون بشكل مخالف للقوانين البلدية، بأحياء شعبية بامتياز قلوبهم بيضاء، يتعاملون مع أشباههم القلائل في المقرّ الأكبر (الصناعة) أعطال سيارتك معروفة يناقشونك فيها بالأدلة والقرائن، يرافقك بسيارته إلى نظرائه يناورهم بالسعر حتى يصل إلى الحدّ المُرضي لكلا الطرفين، وفي نهاية المطاف المبلغ المدفوع يضاهي ربع المبلغ المعمول به في محلات الصناعة الخارجة عن القانون والسلطة أجورهم لا تتعدى خمسة آلاف مهما بلغ العطل والفك.

بالمناسبة وفي الصناعة نفسها.. دفعني فضولي للاقتراب من سيارة BMW في أحد المحلات موضوع على باكاجها الخلفي قطعة تخصّ تلك السيارة يقف بجانبها شاب متوسط العمر سألته عن ماهية هذه القطعة فقال هذه طرمبة بنزين تدحرجتُ بالأسئلة معه حتى وصلت إلى سعرها فقال الشاب سعرها بالكامل واصفاً الوضع بيديه مليون ونصف ليرة، فقارنت بقرارة نفسي سيارة فارهة وسعر مجنون، تذكرت المثل الشعبي (من يشرب النهر لا يغص بالساقية) وبالّلاشعور ومن وهول السعر انسحبت من تلك المنطقة ناسياً نفسي بوداع الشاب الذي كان لطيفاً ومتجاوباً معي أو أرمي عليه السلام أقل تقدير.

نحن بدورنا لسنا من سكان بلاد الواق واق، الجميع على علم بما حصل لأسعار جميع السلع بما فيها أسعار قطع السيارات القديمة والحديثة، وهي ليست ذي منشأ محلي، وما حصل من ضغط على مقدرات البلد سواء بالاستيراد أو التصدير جعل الأسعار بهوة بعيدة عن الواقع القديم الذي كنا نعيشه، لكن المتصيّدين الذين أخذوا يتلاعبون بالأسعار وقيمتها الحقيقية واضعين بصمتهم عليها بلا حسيب أو رقيب أو رادع قانوني أرخوا بظلّهم وظلامهم على المنطقة الصناعية وحلّلوا لأنفسهم اقتناص وسرقة الغير واضعين القيم والأخلاق والحلال في جبٍ مظلم عميق.

الوحدة التقت بعض زوار المنطقة الصناعية :

أحمد،  شاب ثلاثيني يمتلك سيارة أجرة بحاجة إلى أتمصور أمامي يميني، يتنقّل بين أوكار أصحاب القطع الحديثة هو لا يؤمن بالقطعة المستعملة كما قال، لكن طلبه موجود عند الأغلبية وفروق السعر بين تلك المحلات كبيرة جداً، كلٌ يعطي لقطعته شهادة ميلاد ومنشأ مختلفة والاختيار صعب، غير أنه سيقوم بتركيب وتصليح سيارته بعيداً عن جشع أهل المنطقة الصناعية، وأكد لو أنه يمتلك معدات الفك والتركيب لقام بنفسه بفك وتركيب تلك المعجزة.

محمد، أكد أنه يمتلك سيارة حديثة وهو بحاجة إلى ملف حساس الطارة الخاصة بالتحكم على المقود طلبوا منه ١٠٠ ألف بوكالتها لكنه تمكّن من الحصول على نفس القطعة من أحد محلات دمشق بسعر ٤٥ ألف وهي بجودة عالية على حدّ وصفه، لكنه سيقع بفخ الفك والتركيب وأجوره التي تضاهي تلك القطعة.

عبد الكريم، موظف عادي ليس من أهل اللاذقية، هو قادم من مدينة حماة، تم نصحه بالقدوم إلى صناعة اللاذقية نظراً لوجود القطع المستعملة بكثرة واقتناعه بأن طلبه الخاص بسيارته الألمانية لا يوجد قطعة بديلة (وكالة) لكنه تفاجأ بأسعار مرتفعة جداً بالمقارنة مع القطع الخاصة بالسيارات الأخرى، وقد فضّل العودة إلى حماة وركن سيارته إلى حين ظهور طلبه من خلال صدفة معينة أو تطبيق شبيه لها يزيح عن كاهله دفع تلك المئات من الألوف أو القيام ببيعها كما هي.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار