الوحدة: 1- 2- 2021
عاصفة هوجاء ضربت مدينتي البحرية الوادعة في ليلة حالكة السواد. اختفيتُ تحت الغطاء الصوفي و أغمضت عيني لأعيش مع نفسي خصوصية هذا الجو المهيب.
هي ذي عادتي منذ الطفولة، فقد كنت أخاف حيناً من صوت البرق و رهبة اللمع، و أحس بدفء الروح أحايين أخرى و أنا أسترق السمع لصوت قطرات المطر تنقر على نافذتي الغربية. كنت أذكر معها كلمات قصيدة تعلمتها وقتئذ للشاعر ميخائيل نعيمة يقول في مطلعها:
سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر
واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر
واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطر.
كنت أحس بالأمان في كنف أسرة تفيض قلوبها حناناً و حباً. كانت الأحلام يومها كبيرة، حدودها المجرة و كانت همومي صغيرة لا تتعدى خوفي من أمي عقب خلاف طفولي مع إحدى شقيقاتي، أو مع زميلة مدرسية، أو بُعيد نيلي درجة غير كاملة في اختبار مدرسي. كان والدي رحمه الله يسامحني على كل خطأ أو درجة امتحانية متدنية.
و كان يقول لي: من الطبيعي أن ينال الطالب درجة متدنية في امتحان ما يا بنتي. رحل أبي الطيب إلى رحاب السماء.. و أخذ معه صوته الحنون و قلبه الطافح محبة. يوم رحيله أحسست بأنني كبرت فجأة و غادرني عمر الطفولة. اليوم أغمض عيني مع صوت الرعود و المطر و أنت بعيد خلف الغيم يا والدي. أغمض عيني، أحاول أن أطلق لروحي العنان إلى عوالم الحلم هرباً من واقع خبت فيه أنوار الطفولة، فقد أصبحت أحلامنا في كنف الحزن و الفقد، و همومنا كبيرة، مديدة حدودها المجرة. عذراً يا شاعرنا العظيم عندما تقصف الرعود اليوم.. اليوم هأنذا أخشى الخطر! ها هي الغيوم تسبح، الشجر ينتحب و خيوط الماء تصل الأرض بالسماء، يحدثني قلبي الصغير لماماً إن هناك بعضاً من أمل على أعتاب ربيع لا بد سيأتي يوم ما. نلتقي فيه بأصدقاء أوفياء على ندرتهم، لم يسقطوا بفعل أنانية أو مصلحة آنية أو قلة أصل. نلتقي في ظل نقاء روحي مع الطيبين ممن مروا في رحلة الحياة. ربما وقتها أعود إلى طفولتي البعيدة، أفرد ضفائري للنسيم و روحي لشمس نيسان آت بريح أبي و ضحكة أبي. ليتني بقيت طفلة ما حييت أيتها الأقدارٍ! ليتني بقيت أجادل شقيقتي و رفيقة مدرستي، و لتذهب درجات الامتحان إلى الجحيم. نلت شهادة عليا و خسرت تلك الطفولة على حين غفلة. ذوت الروح و انداح جسدها على امتداد حياة طافحة بالوجع و الخيانة و قلوب موحشة قسوة. سقف بيتي حديد**ركن بيتي حجر فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر .متمسكة بالحلم كما الأمل سأبقى. ربما لا يكفي سقف من الحديد ولا ركن من الحجر لنكون آمنين أيها الزمن العصي حسرة. لكن إيماني بالمحبة و الوفاء و نقاء السريرة مع كثير من العطاء وحدها تحمل إلى أرواحنا المتعبة سلام السماء و طمأنينة الأرض. هي ذي أحايين السكون الدافئ لقلبي تحت الغطاء هرباً من مرارة الواقع، تضمني في حجرها مثل أم تشم رائحة طفلها الوحيد حبّاً. على الوعد أنتظرك أيها الحلم و على وعد المحبة الأبدية سأبقى ما حييت.
نور محمد حاتم