عمال مرفأ طرطوس بين مطرقة الشركة الروسية STG و(مطرقة) شركة صدى!

الوحدة : 28-1-2021

منذ ما يقارب السنة كتبنا في (صحيفة الوحدة) عن تقاذف العمال بين شركة STG الروسية المستثمرة لمرفأ طرطوس، والشركة الوسيطة (صدى).

 تناولنا يومها قضية الرواتب المتأخرة نتيجة لاحتجاج العمال ورفضهم توقيع العقد بصيغته الأولى بالإضافة لموضوع الوجبات الغذائية مع الأجر الإضافي وما لحقها من إشكالية التأمينات المتأخرة وسيارات (المبيت).

أعلمنا لاحقاً بتحرك المياه الراكدة وحل أغلب هذه الإشكالات تباعاً.

 تناطحت بعدها الجهات النقابية واتحاد عمال طرطوس لتعلن أنها صاحبة الإنجاز وتستفيض بادعاء الانتصار لحقوق العمال واسترجاع الحقوق المهدورة، لكن – على ما يبدو- لم تنتهِ القصة هنا، فالشركتان بعد الفشل في محاولتهما الأولى لهضم حقوق العمال، غيّرا تكتيكهما هذه المرة محاولين إجبارهم على توقيع عقود جديدة بشروط شديدة الإجحاف، وتعتمد أسلوب إرهاقهم بالعمل حدّ (الاستعباد).

رسائل من العمال: نحن لا نحتمل!

فوجئنا منذ شهرين بكثافة الاتصالات المتتابعة من عمال المرفأ، تمحورت جميعها حول نية الشركة المستثمرة STG تعديل ساعات العمل لتصبح 12 ساعة متواصلة يومياً بدلاً عن 8 ساعات كما ينص العقد الموقع معهم، قمنا بإفهام المتصلين أننا لا نستطيع الكتابة عن أي قضية وهي في طور النوايا، فقد تكون إشاعات لا أساس لها من الصحة يطلقها غالباً بعض الغوغائيين من محبي الثرثرة، أو حتى مجرد دراسة لن يتم تطبيقها فعلياً، مع إعطائهم وعداً بتناول الموضوع في حال تم فرض ذلك على أرض الواقع دون موافقتهم.

ليل الأربعاء 6/1/2021 وردتنا رسالة من أحد العمال تقول بأن نظام العمل الجديد تم تطبيقه بالفعل، والنص الحرفي للرسالة: (الحالة صعبة جداً، نحن لا نتحمل  12 ساعة عمل)، لم نتفاعل مع هذه الرسالة وتعمدنا تجاهلها كلياً، في اليومين التاليين وردتنا اتصالات متلاحقة من عمال آخرين قوبلت بمماطلة وتسويف مقصودين من قبلنا، فما أردناه هو التأكد من عمومية الاعتراض بإجماع غالبية العمال وليس قلة منهم، لكن في يوم الثلاثاء 12/1/2021 فوجئنا بوفد (طويل عريض) من عمال المرفأ يقصد مكتب جريدتنا ويضعنا أمام الأمر الواقع، ولساعتين كاملتين لم يفرغ العمال من شكوى الظلم الواقع عليهم، ظلم (بيّن) فاق كل حدود توقعنا، وجعلنا ندرك حجم التعب في أرواح هؤلاء العمال الذي دفعهم لزيارتنا.

النظام الجديد ليس عملاً… بل!

– العامل ف – ش: لا يستطيع عامل الرافعة حسب القانون العمل لأكثر من أربع ساعات متواصلة في اليوم، وكنا نتناوب في الوردية الواحدة كسائقين اثنين على رافعة واحدة لإكمال ورديتنا المستمرة لـ 8 ساعات حسب نظام العمل المتبع منذ عشرات السنوات في المرفأ، الآن علي العمل لمدة 6 ساعات متواصلة بما يفوق قدرتي، فكيف عندما يكون العمل ليلياً؟ هذا لم يعد يسمى عملاً..

– أما أيمن فأبرز لنا (فيشة الراتب) وأشار بإصبعه إلى أحد الحقول التي تحوي أرقاماً كثيرة، استطعنا تمييز الرقم متناهي الصغر الذي كان 300 ليرة، ثم حرك إصبعه بشكل أفقي لنرى الكلمة المكتوبة التي تدل أن هذا الرقم هو قيمة الحوافز التي تقاضاها أثناء الشهر، وضعها أمامنا على الطاولة وقال: صورها ليعرف الجميع تفاهة الأرقام التي ينهكوننا لأجلها، ألا يخجلون من أنفسهم كي يطلبوا منا مزيداً من العمل؟

– لكن الرجل الخمسيني الذي عرف عن نفسه بـ (أبو علي) بقي صامتاً دون كلام أثناء الهرج والمرج وكثرة الصياح التي اجتاحت مكتبنا، آثار الشقاء التي حفرت في وجهه أخاديد شديدة الوضوح دفعتنا كي نركز نظرنا عليه، انتبه إلينا فتشجع وبدأ بالكلام قائلاً: أنا عامل عتالة، قل لي بأي عقل يطلب مني العمل لـ 12 ساعة متواصلة رافعاً على أكتافي أكياساً ثقيلة الوزن؟ هذا ليس فوق قدرتي أنا فقط ، بل فوق القدرة البشرية لأي إنسان.

اتحاد العمال والنقابة

أثناء وجود العمال في مكتبنا ولاستبيان الحقيقة قمنا بالاتصال برئيس اتحاد عمال طرطوس (أحمد خليل) وشرحنا له مطالبهم ورغبتهم في مقابلته، رفض ذلك رغم إلحاحهم محتجاً بانشغاله لنصف شهر في مؤتمر النقابات وطلب أن يتقدموا بكتاب موقع بأسمائهم كي يتابع المشكلة، رفضوا ذلك بالمطلق محتجين بأنهم قدموا سابقاً الكثير من الطلبات التي اختفت في الأدراج دون جدوى، بعد دقائق تلقينا اتصالاً من رئيس نقابة عمال المرفأ يعلمنا بقدومه لمناقشة الموضوع، لكن من حضر كان أحد أعضاء النقابة، هنا انسحب العمال تماماً رافضين أي نوع من النقاش قائلين إن الاتحاد مع النقابة لا تمثلانهم ولم يساعدوهم أو يقفوا بجانبهم، فهما أحد أذرع الشركتين المستثمرة والوسيطة لإخضاعهم، ودائماً ما يتم تسويف المشاكل ثم تصديرها دون أية فائدة، وما حصل يعتبر دليلاً دامغاً على مقدار الاستهانة بهم والمماطلة بمطالبهم، فرئيس الاتحاد رفض استقبالهم وحولهم لرئيس النقابة الذي لم يأتي لمقابلتهم كما وعد، بل أرسل أحد الأعضاء كبديل، والحديث هنا للعمال وليس لنا.

أحد مديري STG: (اللي مش عاجبو يمشي)

حاولت النقابة تهدئة العمال لكنهم رفضوا النقاش رفضاً قاطعاً، هنا عمد أعضاء ورئيس النقابة لتبرئة ساحتهم وإثبات عملهم لمصلحة العمال، اصطحبونا إلى مكتب النائب الأول لمدير شركة STG  الدكتور فريد, والذي رفض بشكل قاطع إعطاءنا إذناً بالتصوير ضمن المرفأ مع أي تصريح صحفي من أي نوع كان، فالسياسة العامة لشركتهم هو عدم التعامل مع الصحافة نهائياً، وأصر على أن زيارتنا له كانت بوساطة النقابة لمجرد الدردشة ومعرفة القصة لا أكثر، وفي حال نشر هذا الحديث معه فهو (سيتصرف؟؟؟) وسنقوم بنشر أهم ما جاء في حديثه (بانتظار تصرفه).

أولا – هو غير معني بجموع هذه العمال حتى إن بلغت نسبة المعترضين منهم 49% فالشركة في حال استحصالها على نسبة 51% ستلزم الباقين بالنظام الجديد، وحسب ادعائه فإن ما نسبته 92% من العمال وافقوا على ذلك خطياً وبالاسم الثلاثي، ولكنه رفض أن يزودنا بلوائح الموافقة التي وقعها العمال كإثبات، معللاً رفضه بسياسة الشركة المانعة لذلك.

ثانياً- أن بعض العمال ادعى بوجود توقيعهم على الموافقة رغم أنهم لم يوقعوا، كان رده هنا أن يلجؤوا للقضاء في حال صحة هذا الكلام، ولن يقوم بالتحقق من ذلك لتأكده الشديد من كذب هذه الادعاءات.

 ثالثاً- يتلخص نظام العمل الجديد بدوام العامل لورديته مدة 12 ساعة يومياً وليومين متتاليين صباحاً ثم يومين آخرين مساء، بعدها يرتاح ليومين، وهذا بالضبط النظام العام لشركة STG  في كل أنحاء العالم وسيطبق في فرع سورية أيضاً.

رابعاً- من مبررات اللجوء لنظام العمل الجديد هو تقليص نفقات نقل العمال (المبيت).

خامساً- لم نتمكن من توجيه باقي الأسئلة، ولو بأسلوب الدردشة كما أراد، عن عدم تنفيذ بعض بنود العقد الموقع التي تنص على مكاسب وحقوق العمال وذلك لاحتدام النقاش، ولكننا سننقل جملته المؤلمة التي تعتبر تلخيصاً تاماً لنقاشنا، تلك الجملة التي تظهر بأسف كمية الخوف المزمن الذي يعيشه العمال، فلم يخطر في أسوأ كوابيسنا أن يقول أمام رئيس وأحد أعضاء النقابة بأن احتجاج بعض العمال لا يعنيه (واللي مش عاجبو يمشي).

الشركة الوسيطة.. لا حياة لمن تنادي ولا.. صدى

17 اتصالاً تلفونياً على الهاتف الشخصي (الموبايل) لمدير مكتبها في طرطوس السيد حازم زغبور، خلال أسبوعين كاملين وفي كافة الأوقات والأيام ولم يتم الرد، كتبنا رسالة نصية تعرف بنا وبطلبنا إجراء مقابلة لطرح بعض الأسئلة بخصوص نظام العمل الجديد، أيضاً (لا حياة لمن تنادي)، توجهنا بأنفسنا إلى مكتبه وعرفنا عن أنفسنا ليتولى رجل يبدو أنه (السكرتير) إخباره بوجودنا، ثوان ثم خرج ليقول أن أية أسئلة يجب توجيهها إلى المديرين في الشركة الروسية، أفهمناه أننا قمنا بسؤالهم وهناك بعض الأسئلة المتعلقة بشركتهم، أعاد الرجل الدخول مجدداً ليخرج بجواب حاد يقول فيه أن أحد بنود العقد الموقع بين شركة صدى و STG تنص على أن تمتنع الأولى عن الإدلاء بأي تصاريح صحفية بينما تعتبر الثانية هي المسؤولة عن هذه الأمور، عرضنا عليه تزويدنا بنسخة عن العقد الموقع لنكتشف ماهيته، على ماذا ينص مثلاً؟ ماهي بنوده؟ ولكن الرجل الذي دخل ثالثة عاد بالجواب التقليدي: الأستاذ يعتذر، إنه في اجتماع.

في الحقيقة، نحن لم نستغرب صمت (صدى) أمام إذلال عمالتها الوطنية بهذه الطريقة، فمن يعتمد الطريقة المهينة بالضغط على العمال عبر تهديدهم بالطرد إن لم يوقعوا عقوداً جديدة تثبت موافقتهم على نظام العمل الجديد التي فرضته STG، ومن سمح وشارك ووافق على أن تصل ساعات العمل لهذا الحد الفائق للقوة البشرية، لا نتوقع منه أن يكون مهتماً بمصير العمال الذين راجعوا وصرخوا مئات المرات دون أن يحن قلب أو ترق روح، والمؤكد أنه غير مهتم بتبرير موقفه أمام العمال، أمامنا، أمام أي أحد.

العقد.. شريعة المتعاقدين

المادة 4 – يعتبر هذا العقد غير محدد المدة ويبدأ اعتباراً من تاريخه وينتهي ببلوغ العامل السن القانوني أو الوفاة ويجدد تلقائياً سنة بسنة مالم يقرر الطرف الثاني (العامل) إنهاءه بناء على طلبه بغاية الاستقالة من العمل أو قرر الطرفان تمديد خدمة العامل لحين بلوغه سن 65 عاماً وفقاً لأحكام القوانين.

المادة 9 – ج – ساعات العمل لعاملي المناوبة:

1 – الوردية الأولى من الساعة 7 صباحاً حتى 15 ظهراً.

2 – الوردية الثانية من الساعة 15 ظهراً حتى الساعة 11 ليلاً.

3 – الوردية الثالثة من الساعة 11 ليلاً وحتى الساعة 7 صباحاً.

هذه المادة تظهر بوضوح نظام العمل لعمال المناوبة، أو ما يسمون (عمال تناول البضائع) وتحدده بثلاث ورديات متتالية، مدة كل وردية ثمان ساعات فقط، فكيف قامت الشركة بتغيير مدة ساعات العمل (على كيفها) بما يخالف بنود العقد صراحة، مع العلم أنه في حال عدم رضاهم عن هذا التعديل المجحف فإنها حسب المادة الرابعة من العقد  (الذي ألزمت نفسها به) لا تستطيع فصل أي منهم دون موافقته وإنما في حالتين محددتين فقط ، وقد قمنا بذكر هذه المادة خصيصاً لتوضيح ذلك، كما لا يمكنها نقله لمكان عمل آخر إلا ضمن المرفأ وبذات فئته ووظيفته حسب المادة – 2- من العقد نفسه.

مشكلة فجائية أخرى

مشكلة تقاذف العمال بين الأطراف لا تقف عند من وقعوا مع الشركتين المستثمرة والوسيطة، فعلى ما يبدو أن الإدارة العامة لشركة مرفأ طرطوس تسير على نفس النهج وتريد التخلص ممن بقي على قيودها، فبعض العمال رفض وبشكل قطعي الانتقال إلى غيرها واستمروا في عملهم عندها رافضين أي تعاقد من أي نوع ومع أي طرف كان (عددهم بحدود 50 عاملاً)، وللأسف فإن الضغوط استمرت طيلة العام المنصرم لإجبارهم على الانتقال إلى الشركة المستثمرة للمرفأ، وفعلاً نجحت الضغوط في النهاية خوفاً من فقدان وظائفهم كما حصل مع العمال الثمانية الذين صمدوا حتى الآن وتم إيقاف رواتبهم فجأة، والسؤال هنا، على أي قانون اعتمدت الشركة العامة لمرفأ طرطوس حتى تمنع صرف رواتبهم؟ وهل ينص القانون الموحد للعاملين في الدولة على إجراء كهذا؟

 لن نتطرق في هذا التحقيق إلى قضايا إشكالية تضمنها العقد الموقع بين الإدارة العامة لمرفأ طرطوس والشركة المستثمرة، والتي تنص في معظم بنودها على تحديث البنية التحتية وتوسعة المرفأ مع إدخال أحدث المعدات الآلية وأتمتة جميع المعطيات، لأن الهدف الأساسي الذي نقصده هنا هو معالجة قضية العمالة لأنها الأهم والأشد إلحاحاً في مرحلة معيشية صعبة من تاريخ البلاد، وليس مقبولاً من أي طرف كان الاستهانة بحقوق مكتسبة وحق أصيل من حقوقها، ثم زيادة الأمر قساوة عما هو عليه أصلاً.

كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار