العدد: 9306
6-3-2019
أغلقتُ النافذة جيّداً، وقفلتُ باب غرفتي، ولم أنسَ أن أحضر معي دفتر مذكراتي، ولم أشكّ لحظة أنّي سأجد لنفسي مكاناً على رصيف ما، افردُ عليه قصائدي غير الموزونة، وأبعثر فوقه أحلامي غير المعنونة، لعلّني أعود آخر النهار إن لم أحمل ما يشبع تطلعي أعود منهكاً فلا أجد متسعاً من الوقت للتفكير بالتفاصيل الموجعة..
كانت المدينة تلفظ دخانها وتستعدّ لمواراته خلف جنح الظلام، والضوء يلمّ ذيوله كقطيع نوارس أنهكه الصيد..
لم ينجح يومي الأول بإيجاد غرفة للإيجار، وكلّ المكاتب العقارية التي راجعتها طلبت قيم آجار ثلاثة اشهر سلفاً..
استطاع شوقي للبحر أن يغطّي ساعات ذلك الليل، ولم أشعر إلا والشمس تلسعني لأبدأ رحلة بحث لم تتأخّر نتيجتها في (سوبر ماركت)، وكانت مهمتي فيه تقسيم ما هو (مجمّع)، أفتح ربطات الخبز في مستودع خلفيّ، وأنتزع رغيفاً من كلّ ربطة وأجمّعها في أكياس أخرى، وأفعل الشيء نفسه مع أكياس (الثوم) الخيشية و..
الله يلعن (أبو الجشع)، لكن ما علاقتي، هو من يغشّ وليس أنا..
هكذا أقنعتُ نفسي لأنني كنت أحسبها بـ (عقل) وأي اعتراض سيعيدني إلى تلك الصخرة قبالة (أرواد)..
ذات صباح، لم تكن تلك الإبرة المخدّرة للضمير قد أحدثت فعلها حين طلب منّي صاحب المحل أن أزيد نسبة الماء التي يضيفها عادة للحليب، فاتصلت بـ (موظف تموين) تعرفتُ عليه لدى صاحب المحل وأعطاني رقمه للحظات كهذه، وبعد ساعة قدّمتُ لصاحب المحل وموظف التموين آخر كأسين من الشاي أقدمهما في هذا المحل، لأعود إلى ذات الرصيف، (مو طلعت أنا اللي عم اتصرف من راسي)، ومن دون علم صاحب المحل.. هكذا قالوا، وقولهم (قول المصاري) هو الأقوى..
في يوم من (حزيران عام 2015) روى لي شخص موثوق ما يلي:
بعد ساعتين من الانتظار وقفتُ أمام (فرد الكازية) وجاء دوري بـ (البنزين، لكن حظي العاثر أحالني إلى انتظار جديد، فقد حضرت دورية تموينية وطلبت من عمّال المحطة التوقّف عن تزويد السيارات بالبنزين إلى حين..
دخلت الدورية وخرجت بعد قليل مع صاحب المحطة الذي وقف يخطب بحضور الدورية:
كان سعر ليتر البنزين (150) ليرة، والآن أصبح (165) ليرة، لقد دفعت الآن ثمن شكواكم، وسأستردها منكم، ثم صافح الدورية ومضت بلا تعليق..
حتى لا أبقى على رصيف الوجع عدتُ إلى غرفتي في الضيعة، فخلعتُ بابها لأني أضعتُ مفتاحها، وقبل أن أتفقّد أشيائي كانت زوجتي تهددني بسكب الماء فوق رأسي لأصحو لأني حسب قولها: تأخّرت على دوامي!