العدد: 9306
6-3-2019
سألتني عجوز كانت تقف أمام باب دار حين مررت بها صباح يوم عاصف، ماطر، وكنت أحمل المظلة بيدي:
هل تمطر؟
قلت بتعجب:
نعم.
قالت: مللت الوحدة، منذ يوم أمس لم أر أحداً ولم أتحدث إلى أحد.
قلت وقد لفني حزن شديد من منظر العجوز الضعيفة، وهي تلبس ثياباً خفيفة في الطقس البارد: كيف أساعدك؟
قالت: أريد أن أذهب إلى جارتي في الشارع المجاور، هل توصليني؟
تأبطت ذراعها، وحملت مظلتي بيدي اليسرى ومشيت معها، كان الطريق طويلاً وهو لا يبعد أكثر من خمسين متراً، حكت لي خلال المشوار عن زوجها الذي مات منذ عشرين سنة، وعن أولادها المتزوجين، وكل منهم في مكان، وأنهم قريبون وبعيدون – كما قالت – وعن ملل الوحدة والعيشة الصعبة..
*****
في الطريق، التقينا بسيدة تنظف مدخل بيتها من أمطار تجمعت أمامه، سألتها العجوز بلطف شديد أن تستقبلها عندها نصف ساعة فقط، أجابت المرأة بملل واضح وهي تهز رأسها بغضب:
إن لم تجدي صديقتك عودي، أمري لله.
لمَا وصلنا إلى الصديقة وكانت بائعة في محلها البسيط المتواضع، وحين شاهدتنا صرخت بصوت ملأ المكان: الآن ذهبت، لماذا عدت؟
وتابعت بعد أن بلعت لقمة كبيرة بصعوبة، كادت تسد حلقها، وهي ما تزال تأكل من سندويشة تمسكها بإتقان:
ادخلي .. ادخلي أمري لله!.
*****
أغلق الطفل الصغير أذنيه بيديه الاثنتين بشدة متجاهلاً صياح أخته التي تكبره قليلاً، وهي تركض خلفه في الشارع وتطلب منه العودة إلى البيت حيث تناديه أمه، كان الطفل مصراً أنه لا يسمع، وأنه لا يملك أذنين.
أمسكت الطفلة به، وأعادت ما كانت تقول، وبصوت قوي بجانب رأسه، وهو يرد ببلاهة:
ماذا تقولين، لا أسمع؟ وما تزال يداه فوق أذنيه، وبحركة قوية استطاعت الطفلة إعادة أخيها من حيث أتى، وهي تعيد ما أرادت منه بينما يصر أنه لا يسمع ولا يملك أذنين ولا يفهم ما يجري!
كانت الطفلة اللطيفة تقف بين أخويها المتخاصمين على الدوام، تحاول تهدئة الأمور، وحل المشاكل بينهما، وحين تعجز، ويصعب عليها الحل تقول لهما:
لا تضربا ، اضرباني أنا.
سعاد سليمان