أينما وجهت وجهك تطالعك كافة المتناقضات… لكل مواطن طريقته في سد الفجوة بين المدخول والمصروف

الوحدة: 10-1-2021

 

 

 

طوابير على فروع السورية للتجارة والمخابز، وازدحام في سوق الذهب والمجوهرات، أرقام تسجل لأسعار السيارات الفارهة وأحدث أجهزة الجوال وبالمقابل سوق البالة يغص بالرواد الذين يبحثون عن قطعة ملابس تقيهم برد الشتاء. سيدة تعمل ليل نهار في شطف الأدراج ومداخل الأبنية وأخرى تبحث من خلال الشبكة العنكبوتية عن أفضل مركز لنفخ الشفاه، هكذا أصبح مجتمعنا… تفاوت كبير بين المداخيل وبالتالي تفاوت بين المصاريف بعض العائلات لا تجد ما يسد رمقها وعائلات تبذخ بالمجان وكأنها وحدها على كوكب الأرض، ما يعنينا اليوم هو ذاك المواطن البسيط ذا الدخل المهدود كيف يتدبر أموره ويسد الفجوة المتسعة بين الدخل المتهالك والأسعار الملتهبة ،وقد استطلعنا عددا من الآراء ووقفنا عند آراء لمختصين في علم الاقتصاد الذي يحرك العالم بالخفاء.

بداية التقينا السيدة فاطمة أزهري أرملة متقاعدة تعيش بمفردها في بيت ملك ودخلها الشهري خمسون ألف ليرة سورية فقط لا غيرها وتحتاج إلى  ١٧ ألف ليرة ثمن دواء وتضيف: كيف للمبلغ المتبقي أن يكفي ثمن الخبز والفواتير ويا ليته يكفي، وأمام إلحاحي عليها أن كيف تتدبرين أمورك احمر وجهها خجلاً وهي تقول: يساعدني أشقائي المغتربون، يرسلون لي حولات شهرياً أو كل شهرين ولولا تلك الحوالات لما استطعت تدبر أموري على الإطلاق.

أما أبو سالم فقد همس هو الآخر مستبقاً كلامه بالدعاء لابنه المقيم في أوربا لولا حوالات هيثم لما استطعنا شراء الضروريات وقد فصل الأمر قائلاً: راتبي ٦٥ ألف ليرة ومثله لزوجتي ولدينا ثلاثة أبناء، اثنان في الجامعة والثالث في الغربة وهو يرسل لنا حولات شهرية لتغطية مصاريف إخوته في الجامعة ولسد الفجوة بين المدخول والحاجات الاساسية للعيش وأردف: نحن لا نبذخ ولا نشتري سوى الضروريات ومع ذلك نحتاج شهرياً حوالي ٤٠٠ ألف ليرة سورية ولا يوجد لدينا أي دخل إضافي سوى رواتبنا المتهالكة والتي لا تتجاوز ١٢٥ ألف فكيف يمكن لهذا المبلغ أن يكفي؟

 أما سعد الدين جمعة طالب الهندسة في جامعة تشرين فقد أكد أنه لا ينام في اليوم كله سوى ساعتين حيث أنه يداوم في الجامعة نهاراً ويعمل في جلي الصحون في أحد المطاعم ليلاً لتغطية مصروفه الجامعي وليس الشخصي حيث أنه يأكل ويشرب ويلبس على حساب أهله.

 السيدة لبنى عندما وجهنا لها هذا السؤال أصرت على اصطحابنا إلى منزلها لنرى كيف أنها باعت الكثير من الأثاث لشراء الدواء لابنها المريض وهي تؤكد أن زوجها يعمل على سيارة أجرة بعد الدوام وقد سبق أن باعوا منزلاً كانوا قد ورثوه عن ذويهم ومع ذلك لا يزال هناك عجز وفجوة بين المدخول وبين المصروف لا سيما في حال وجود حالة مرضية.

آراء متخصصة

يقول الأكاديمي الاقتصادي الدكتور سنان علي ديب: نتيجة الظروف المعقدة والمركبة أصبحت الفجوة بين تكاليف المعيشة ومستوى الدخل كبيرة جداً بالنسبة للشريحة الكبرى فمتوسط المبلغ المحتاج لأسرة مؤلفة من ٥ أشخاص لتكون على حواف الطبقة الوسطى وفوق الفقر حوالي ٦٠٠ ألف ليرة سورية ومتوسط الأجر حوالي ٥٠ ألف ليرة سورية وقبل الحرب كنا نقول تعاون وتكاتف الأسرة وضع أغلب الشعب فوق الفقر بعداد الطبقة الوسطى متوسط الأجر ١٦ ألفاً والأسرة بحاجة ل ٣٠ ألف ليرة سورية علماً أن تكاليف العلاج في ارتفاع مضطرد هذه الفجوة جعلت المواطن يلغي الكثير من الحاجات كاللباس والكماليات ويقلل من وسائل النقل وكذلك من نوعية الغذاء بالوجبات وبعضهم قد يقتصر على وجبتين بدلاً من ثلاثة أو أقل فاللحم أصبح تمنياً وكان البعض يستعيض ببعض وجبات الفروج الذي ارتفع مع البيض لأرقام كبيرة وبالتالي لم تعد وجبات الغذاء كافية أو صحية والفجوة كبيرة جداً بين المطلوب للعيش والمستطاع تأمينه وهذا الأمر انعكس على أصحاب الأجور كما انعكس على باقي المهن والحرف بركود تضخمي شمل أغلبية السكان.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية فقد تحدث عن الحوالات قائلاً إن الحوالات الخارجية دائماً تلعب دوراً إيجابياً في تقوية القوة الشرائية للمواطنين عموماً، مضيفاً: إنه لو كانت الحالة العامة حالياً عادية وطبيعية فيمكن القول إن قيمة الحوالات أصبحت مرتفعة وبالتالي يمكن القول: إن هذه الحوالات يمكن الاستفادة منها لارتياد المطاعم والمتنزهات، لكن حالياً في ظل انتشار كورونا وانتشار البطالة والفقر في دول العالم ووجود تراجع اقتصادي عالمي فإن الحوالات تساعد فقط على سد الفجوة  وتغطية بعض النفقات.

من جهة أخرى اعتبر إقبال  بعض المواطنين على الإنفاق الكمالي شيئاً طبيعياً لأنه دائماً في حالات التضخم وضعف القوة الشرائية هناك دائماً شرائح مستفيدة وهم من أصحاب الأصول والمكتنزات وهؤلاء في كل الأحوال وفي كل الدول مستفيدون وهم ممن يرتادون المطاعم والمتنزهات حالياً بكثرة.

ولفت إلى أنه في حالات التضخم الجامح هناك شريحة نسبتها المئوية في المجتمع أقل من 10 بالمئة وهي شريحة مستفيدة واغتنت نتيجة ارتفاع الأسعار وارتفاع الأصول التي تملكها وهي تضم مستوردين وكبار تجار وغيرهم، مشيراً إلى أنه في حالات التضخم تزداد نسبة الربح حتى للتجار العاديين وذلك لتعويض ارتفاع نفقات المعيشة.

وأوضح بأن هناك شريحة كذلك لا تتأثر بالتضخم وهي التي مازالت مندمجة في النشاط الاقتصادي، فعلى سبيل المثال صاحب المحل التجاري الذي يأتيه يومياً عشرات الزبائن وفواتيره عالية هو نفسه يذهب إلى المطاعم والأوتيلات مساء ويشتري موبايلات بأسعار خيالية.

وبيّن أن شريحة الطبقة الفقيرة ونتيجة غلاء الأسعار حالياً انتقلت إلى شريحة الفقر المدقع، أما شريحة الطبقة الوسطى فمنها من استفاد من الأزمة وأصبح من شريحة أعلى ومعظمها انخفض إلى طبقة الفقراء درجة أولى ومع استمرار الأزمة ممكن أن يتحولوا إلى طبقة الفقر المدقع.

وأكد أن الذين انتقلوا من الطبقة الوسطى إلى شريحة أعلى هم ليسوا من أصحاب الدخل المحدود الذين يعملون براتب، مبيناً أن كل من يعمل براتب تراجع وأصبح ضمن شريحة الطبقة الفقيرة.

هلال لالا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار