البندورة والخضار المحمية… المنتج والمستهلك كفّتان لا تلتقيان!

الوحدة 7-1-2021 

ضمن الأسرة الكبيرة الواحدة (الإخوة والأخوات) هناك المنتج, وهناك المستهلك… وكل طرف يشكو على طريقته!

نتحدث باقتضاب عن إنتاج الخضار المحمية بشكل عام, وفي المقام الأول البندورة التي تشكل النسبة الأكبر من إنتاج الزراعات المحمية..

مسك كيساً صغيراً برؤوس أصابعه فيه (50) غراماً من مسحوق كيميائي وقال لي: تفضل يا أستاذ, هذا الدواء يكفيني لـ (رشة) واحدة فقط, وعليّ أن أكرر هذا الأمر كل أسبوع, وهي كمية لـ (3) بيوت بلاستيكية وثمنها (27) ألف ليرة… روحوا اكتبوا عن غلاء سعر البندورة… حرام عليكم, بالكاد نسترجع التكلفة…

اتصلت بي أختي من اللاذقية, سألتني متى سأعود من طرطوس لأجلب لها بعض البندورة مما ينتجه أخي, أقسمت إنها اشترت كيلو بندورة يوم 31/12/2020 بـ (1200) ليرة وأقسم أخي أنه باع الكيلو يوم 30/12/2020 بـ (450) ليرة!

هذا نموذج عن تناقضات الأسرة الواحدة, وكل طرف على حق, فإلى جانب مَن تميل؟.

هناك شيء ما غير صحيح على الرغم من وضوحه, إلا أن أحداً, وبعد أربعة عقود ونيف على تجربة الزراعات المحمية, لم يحاول فهمه, أو المبادرة إلى تقويم اعوجاجه, بل نكاد نجزم أن كثير من المعنين حريصون على استمراره!

مستلزمات الإنتاج باهظة الكلفة… هذا أمرٌ متفق عليه, وتحت هذه القناعة نصدق شكوى المنتجين ونتعاطف معهم, فهم أيضاً لديهم أفواه مفتوحة على الموسم وعلى ما يأتي به هذا الموسم, وحتى (البنطال الجديد) ينتظر الموسم, فإن لم يكن هامش الربح معقولاً للمزارع (لن يزمّر بنيه) وبذات الوقت ستعود آثار ذلك على المستهلكين, لأن استمرار خسارة المنتج ستبعده يوماً ما عن إنتاجه, فيقل العرض وتحلّق الأسعار من جديد..

تكاليف  الحياة معقدة, والدخل في حدوده الدنيا, وأجرة يوم عمل في أي وظيفة عامة لا تعادل ثمن (2كغ) من البندورة, وتحت هذا الواقع الصعب نبرر شكوى وتذمّر المستهلك, وندعو له بثبات العقل وبمزيد من الصبر!

لن نمرّ على الحلقات الوسيطة, ولا على المتحكمين بمستلزمات الإنتاج لأن الإشارة عليهم (مجرد الإشارة) جريمة يعاقب عليها (المتنفذون)، سنسأل سؤالاً سألناه قبل عقدين من الزمن على وزارة الزراعة آنذاك, وملخص السؤال: متى سننتج مستلزمات الزراعات المحمية محلياً، وتكون أسعارها (مضبوطة) من قبل الدولة؟ فرد علينا المدير المعني في وزارة الزراعة إن ذلك سيتم قبل نهاية هذا العام (كان الحديث في شهر أيلول 1999) ومنذ ذلك الوعد لم ينتج 10% من مستلزمات هذه الزراعة أو ربما هناك من عطّل هذا المشروع حتى لا تتضرر تجارته، ومع كل هذا نتحدث باستمرار عن دعم (لا محدود) للزراعة, ودائماً يكون الحديث عنها هو المحور الأول والأهم في كل بيان وزاري!

ربما هناك دعم حقيقي لبعض الزراعات الأخرى (القمح مثلاً) لكن لا يعقل تجاهل الزراعات المحمية والعاملين فيها بهذا الشكل، لأن نتائج غياب الدعم الحقيقي عنها يصيب كل المواطنين دون استثناء إذ لا يستغنى أي بيت عن البندورة يومياً..

لدينا في كل محافظة عدة مراكز بحوث زراعية وفيها عدد كبير من المختصين والموظفين, وتعلن كل سنة عن برنامج نشاط (ولا أحلى) على الورق, ولكننا نلتفت لنرى نتائجها الإيجابية على الأرض فلا نجدها, ونسأل المزارعين عن دورها (فيهزّون) برؤوسهم ساخرين.

 المازوت الزراعي المدعوم لم يرخِ بأي ظلال (وارفة) على الزراعة, بل أن قسماً ممن يحصلون على المازوت الزراعي تحولوا إلى تجار في سوقه السوداء, وبقيت الشكوى من ارتفاع أجور حراثة الأرض (10 آلاف ليرة للدونم الواحد) وبقيت الشكوى من أجور نقل المحصول إلى أماكن بيعه (أجرة سوزوكي تتسع لـ 70 عبوة فلينية ولمسافة لا تتعدى 3 كم من 5-8 آلاف ليرة)!

المشكلة أكبر من أن (تُحصر) بأسباب محددة، وأكثر تعقيداً من  أن يحلّها قرار, لكن هذا لا يعني أن  نتفرج عليها..

نختصر فنقول إن الأساس في المعضلة هو مستلزمات الإنتاج من حيث توفرها ومن حيث جودتها وأسعارها, أما مشكلة المستهلك من ناحية ارتفاع سعر المنتج الزراعي فهي نتيجة حتمية لما تمت الإشارة له، ومن الطبيعي أن يبدأ الحل مع الأسباب وليس مع النتائج, والإجراءات التي تتخذها الحكومة بين الحين والآخر بوقف تصدير بعض المنتجات الزراعية بقصد تخفيف أسعارها في السوق المحلية ليست (حكيمة أو مسؤولة) فهي تخفف من معاناة المستهلك ولا تنهيها, وبذات الوقت تضع المنتج أمام خسارة حقيقية قد تتمدد لتصبح خسارة على صعيد الاقتصاد الوطني, إضافة إلى حالة الضجر التي يعيشها المنتجون والذين يقسمون (بعضهم على الأقل) بعدم العودة إلى الزراعة..

لا حظو معنا هذه المعادلة: العبوة الفلينية سعرها ألف ليرة, وتاجر سوق الهال يخصم وزنها (2كغ) مع أن وزنها أقل من ذلك وتاجر المفرق يعيد بيعها كعبوة مستعملة ولو بنصف سعرها..

 وحده المزارع الذي يدفع ثمنها ثلاث مرات: سعرها الحقيقي وسعر 2كغ من محتوياتها!

عناوين سريعة

– العبوات الفلينية، إضافة إلى (الزبل) هما الشيئان الوحيدان من مستلزمات هذا النوع من الزراعة المنتجان محلياً ومع هذا فإن أسعارهما جنونية..

– عشرات المراكز المخصصة لشراء الإنتاج من الفلاحين في سهل عكار، وكلها (حسب معلوماتنا) غير مرخصة, ومع هذا يتقاضى أصحابها نفس النسبة التي يتقاضاها تجار سوق الهال, والذين يدفعون ضرائب ورسوماً..

– كل السيارات الزراعية الخاصة تعمل بـ (بالأجرة) وتتقاضى أجوراً مرتفعة وتحظى بمخصصات مازوت مدعومة!

– اليد العاملة تحولت إلى عبء على المزارعين و(500) ليرة عن كل ساعة عمل ليس بالأمر الهين على مزارع بحاجة لساعت عمل طويلة..

– تقلبات السوق تضع المزارعين موضع الريبة, وخلال أقل من أسبوع مثلاً انخفض سعر كيلو البندورة حوالي ألف ليرة, وهم -أي المزارعين- يعتقدون أن هناك أيادي ليست بيضاء تتلاعب بإنتاجهم!

– نبيع بأسعار الموسم الحالي ونجهز للموسم التالي بأسعار لا تقف عند حد.. نركض خلف رزقنا فيسبقنا المستغلون لمصادرة  كل ما أنتجناه..

– في معظم الحالات فإننا ندوّر رأس مالنا ونحافظ عليه, ونقتات على هامش الربح الضئيل في مأكلنا وشربنا وملبسنا.. هي نتيجة اتفق عليها كثيرون..

– لا عمل لدينا إلا الزارعة، ونحن مستمرون بها مع أننا نعاني ونخسر.. هذه حقيقة مؤلمة التقى عندها كثيرون أيضاً..

والنتيجة.. لا عنب الشام طلناه ولا بلح اليمن.. المسألة بحاجة إلى دراسات حقيقية، دراسات تنتج حلولاً ولا تقتصر على التقاط الصور التذكارية..

العملية الزراعية بكل تفاصيلها هي حجر الزاوية في اقتصادنا الوطني وتستحق أن نخصص لها ثلاثة أرباع وقتنا, وأن نلبس ثياب العمل و(جزمة البلاستيك) ونذهب إلى المزارع في أرضه ونحاول أن نقنعه أننا نفكر من أجله , وأنه شريك في إنتاج الحلول..

عندما نقرر تخصيص (22كغ) من السماد لكل دونم قمح لا يجوز النظر إلى سورية بأكملها كجملة واحدة… هناك مناطق لا يحتاج فيها الدونم إلى هذه الكمية, وهناك مناطق أخرى يحتاج الدونم إلى (50كغ)!

المكاتب المكيفة لا تنتج حلولاً حقيقة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالزراعة وبالمزارعين الذين يجابهون إضافة لكل ما تقدم ظروف الطبيعة..

 نختم وبصدق مزارع تمنى أن أنقل أمنيته للسادة في وزارة الزراعة وملخصها أن المزارع قد لا يجد وقتاً لمتابعة نشرات الأخبار, وبالتالي لا يكحّل عينيه برؤية المسؤولين فيها أو سماع أخبارهم أو اجتماعاتهم, فإن كنا نهمهم فليأتوا إلينا, نحن في أرضنا من السادسة صباحاً وحتى مغيب الشمس, وبإمكاننا أن نغلي لهم الشاي على الحطب.

غانم محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار