العدد: 9304
4-3-2019
لم يكن ما حدث بتاريخ 25/2/2019 على مسرح دار الأوبرا في دمر حدثاً عادياً، بل يمكن اعتباره علامة فارقة ومحطة هامة على مسار الأغنية السورية.
المناسبة: تكريم الأغنية الشعبية الساحلية بأشخاص ثلاثة من كبار الفنانين الشعبيين: إبراهيم صقر، عادل خضور، بسام البيطار، وبرعاية دار الأوبرا.
الأهمية الأولى تتأتى من إنشاط الرابط بين دار الأوبرا والفن الشعبي، وهو أمر كان شبه مفقود، أو كان خجولاً جداً ومقتصراً على حالات محددة.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أهمية الفن الشعبي للأمم وتعبيره عن هويتها ومزاجها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها وطقوسها في الأفراح والأتراح والعمل ومعتقداتها وقصص الحب والخصب فيها، وأن الأعمال الموسيقية الضخمة – عالميا – استلهمت دائماً من الموسيقى والغناء الشعبي.
الأهمية الثانية في الالتفاتة ولو – المتأخرة – إلى قامات فنية كبيرة نحتت في الصخر وبظروف بالغة الصعوبة وبتعتيم إعلامي مثير للجدل والاستهجان لإبقاء جذوة الفن الشعبي متقدة.
الأهمية الثالثة هي في تدفق الجمهور المثير للدهشة حيث غصت مدرجات المسرح وجلست الناس على الأدراج وكثيرون تابعوا الحفل وقوفاً وكثيرون لم يتمكنوا من الدخول، وهنا يقفز السؤال: ما الحافز الذي جاء بهذا الجمهور العريض؟
أهو الشعور الفطري بالانتماء والعودة إلى الجذور أم هو التمرد على ماكينة إعلامية دأبت على فرض حالات بعينها وأنماط بعينها ورغبة الناس في التعبير عن ردة فعلها على ما يقدم ويروّج له زوراً على أنه يعبر عن التراث والفلكلور؟
وهل يستوعب القائمون على الإعلام هذه الحالة الجماهيرية ويبدؤون جهداً حقيقياً لخدمة الفن الأصيل أم سوف تظل الأمور معلقة بين العلاقات والمنفعة؟
في الحفل أحضر الفن الشعبي الكرة إلى ملعبه فتألق بسهله الممتنع وتدفق نبعاً صافياً يخضع لقاعدة واحدة هي: لا توجد قواعد في الإبداع، وفرَضَ الجمهور مزاجه وهواه وإيقاعه وغنى وصفق ورقص وأخرج دار الأوبرا عن وقارها لترقص هي أيضاً ويصبح الوقار وقاراً وهيبةَ الفن الأصيل وروح الفن التي هي – كروح القانون – أهم من الشكلانيات ومن البابيونات وعصا المايسترو!
كان المايسترو الحقيقي هو جمهور يرغب حد العطش بالفن الأصيل وفرسانُ أغنيةٍ حافظوا على فطرة الفن وعمقه بآن، ومع كل موال أو أغنية قُدِمت حضرت أعراسُ وأعياد ودبكاتُ ومواسم خصب للسابقين والحاضرين، حضرت مواويل الحصاد والعشق والوطن حضرت جفلة ودلعونا وسكابا والهوارة وخدود التفاح وشفاف الكرمنتينا وعيون السواهي وغبشوا وخيام الليهم… حضر الحب، حب الأرض وحب العطاء وحب الجمال.. حضر الحب فناً وموسيقى، سورية أصيلة جامعة تعبر عن أمة عريقة مبتكِرة لا مقلدة أمة تعرف الفرح وتبتكر الجمال وقادرة دائماً على التجدد والبناء الحضاري الشاهق.
إبراهيم عاطف صقر