كالعنقاء…

الوحدة 22-9-2020 

 

من بين أقسى التجارب التي قد تمر بنا تترك جروحها في دواخلنا تقف تجربة الطلاق تجتاحنا وقتها مشاعر متضاربة.

الألم والأسى على انهيار علاقة زوجية ظننا أننا سنكمل معها باقي حياتنا خيبة الأمل والشعور بالذنب بأننا فشلنا.

الغضب من الطرف الآخر في العلاقة وتحميله قدراً لا بأس به من المسؤولية، الخوف من غد يجيء علينا ونحن وحدنا في هذه الحياة القاسية ومشاعر أخرى كثيرة تصطخب داخلنا فنرتبك ونفقد التوازن تطول أو تقصر حسب قدرتنا على التعامل مع تجربة صعبة ومؤلمة للغاية.

وفي غمرة تأجج المشاعر واضطرابها نتذكر بدايات العلاقة بكل حلاوتها الابتسامات، الوعود، الهدايا، دقات القلب، إذ يستمتع بالسعادة الموعودة ونتذكر كذلك كيف بردت المشاعر في داخلنا بداية الخلافات الأنانية ضعف الإرادة وعدم قدرتنا على تغيير الطرف الآخر أو تعديل الأحوال إلى الأفضل.

إنه الجحيم بعينه ولكن مهلاً.

هل هناك من طريق آخر من الممكن أن نسلكه في هذه اللحظات الصعبة، إن أسباب انهيار العلاقات الزوجية تتعدد قد يكون قرار الزواج قد اتخذ قبل ان نكتمل كأشخاص ونتبين أبعاد أحلامنا وقدراتنا وربما كنا أصغر مما ينبغي أو قررنا الزواج كرد فعل بعد تجربة حب وزواج فاشل أو خوفاً من الوحدة أو ربما تزوجنا بسبب تلك الصورة الجميلة لنا التي رأينا انعكاسها في عيون الآخر وربما تزوجنا بشخص يشبه أبانا أو أمنَّا وقد يشعر أحد الزوجين بأنه قد أتم مهمته بزواج الأولاد وأنه يهفو إلى أفق آخر للحياة ولكن بعيداً عن كل تلك الأسباب يتجلى الرهان الأساسي فيما إذا كنا قادرين على المرور بتجربة الطلاق بشكل فيه تحضر وإبداع واحترام.

ليس فقط للطرف الآخر ولكن العلاقة ذاتها وهنا تكمن كل الصعوبة فالقليل من البشر  يشحذون انتباههم  وسط ألم التجربة وهم يعرفون أنها عتبة سوف تقودهم إلى بوابات جديدة يدلفون منها إلى أنفسهم فيرون لهم ذاتاً تموت وأخرى جديدة تولد كالعنقاء من بين الرماد.

ولأن لحظة الطلاق كما أشرف سابقاً هي لحظة عظمى تختلط فيها مشاعر الغضب بالذنب بالارتياح بالخوف.

فإن الكثير من الأزواج يهرعون إلى المحامين كي يبدؤوا إجراءات قانونية تختص بالمال والأولاد.

لكن الإجراءات القانونية على الرغم من ضرورتها لا يصح أن تكون العنصر الجوهري في تلك اللحظة وإلا أصبحت مثل الأدوية المهدئة التي تخفف من أعراض التوتر لكنها لا تمنح أية حلول جذرية بل إنها على العكس تماماً قد تحول بيننا وبين لحظات كشف تتزامن مع تجربة الانفصال عن علاقة وهوية سابقة كي تتيح الفرصة لنمو هوية جديدة…

من السذاجة أن نصور لأنفسنا لحظة الطلاق على أنها مجرد لحظة مع أن هذا الفعل يأتي لينهي حياة قد دامت فترة زمنية طويلة وامتلأت التفصيلات والمشاركة والذكريات والأفعال التي قام بها الطرفان معاً.

إن الطلاق ليس مجرد فعل يشمل حيزاً زمنياً صغيراً بل هو عملية أطول مما نظن إنه يضعنا على حافة طريق طويل يقودنا إلى مزيد من الوعي بأنفسنا  ويمنحنا دورة تدريبية مكثفة من معرفة الذات ولهذه الدورة التدريبية مراحل واستعدادات لو حاولنا الاستفادة منها لربما وصلنا إلى ذات جديدة تولد لحظات كشف ترينا عن أنفسنا وعن العالم الكثير عن خطوات هذه الدورة التدريبية لنا حديث آخر.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار