الفن التشكيلي الموجه للأطفال.. البحرة والأصيل.. أسماء لها خصوصيتها في الإبداع السوري

الوحدة 10-9-2020 

 

المبدعون في بلادنا ثروة وطنية.. كانوا وما زالوا – منهلاً للعطاء وزاداً للخيال المثمر على الدوام.. يحملون الأمل والآفاق للمستقبل الأجمل، أسماء كثيرة وهامة شمخت في سماء الفن والأدب والعلوم المختلفة وحملت خصوصية في الإبداع السوري.. نالوا الجوائز والتكريم من جهات رسمية وأهلية – فكانوا الجائزة والأيقونة لأي حفل تكريم تمت استضافتهم فيه، وعبر هذه السطور (جريدة الوحدة) ترصد السيرة الذاتية لقامتين من قامات الفن التشكيلي الموجه للأطفال والمكرس للتعبير عن حالات الفرح والحلم الطفولي وتلوينه بألوان الطموح والخيال الذي يتعدى حدود الأفق.

إنهما الفنان التشكيلي الراحل محمد ممتاز البحرة والفنانة التشكيلية لجينة الأصيل بأناملهما المبدعة التي خطت تباشير المعرفة في ذاكرتنا وأعطت فن الطفولة السورية إحدى أهم صفحاته الناصعة والمشرقة التي امتدت لعقود طويلة واستلهمت من خلال رسوماتهما وإبداعاتهما أحد أهم الآفاق نحو آفاق الطموح والعلم وأيضاً المستقبل. الفنان التشكيلي محمد ممتاز البحرة فنان تم تخليد اسمه كعلم من أعلام سورية، وبرحيله خسرت أجيال الطفولة أحد أهم آبائها الروحيين فهو الفنان الذي سكن الذاكرة السورية لعقود طويلة، ينتمي إلى جيل سوري ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضايا الوطنية ، وكرّس لها غالبية نتاجاته. إنه إيقونة الإبداع والفرح واللون والتشكيل الذي حمل في رسوماته عالم الطفولة المختلف، وشخصياته التي لاتزال تعيش في تفاصيل حياتنا نحملها في ذاكرتنا كأصدقاء لنا نحاكيهم نقتدي بهم نحبهم، رباب – باسم- ميسون – مازن … أشخاص لعبنا معهم وتعلمنا معهم ومنهم الكثير، تعلّمنا حب الوطن والأرض والبيئة واحترام الكبير وتبجيله، والعطف على الصّغير ومساعدته، تعلّمنا كيف نتصرف بأخلاق ورقي مع الآخرين ، وتعلّمنا كيف نرفع راية الوطن عالياً … إنها شخصيّات رسمها ولوّنها رسّام الأطفال الأوّل ، ورافقتنا في مناهج دراستنا، وكانت ملهمة لكثير منّا على الإبداع… فكان حالة إنسانية ووطنية وإبداعية نادرة، وهذا التميز يكمن في عناصر عدّة أهمها أن رسوماته كانت تقترن بكلمات شاعر الطفولة المبدع الراحل سليمان العيسى فكانت الكلمة مكملة للصورة و لا تقلّ أهميةً لوحاته عن كلمات صديقه التوأم ، وعنهما قالت الأديبة ملكة أبيض: ” الكلمات تزداد إيحاءً وحياة بالرّسومات، لقد كانا وجهين لإبداع واحد، لذلك وصلا إلى قلوب الأطفال، ونشأ جيل مشبع بهذه الجوانب الإبداعية… ” . ولم تقتصر رسومات ممتاز البحرة على المناهج الدّراسية، بل تعدّتها إلى المجلات المخصصة للأطفال، لتكون مجلة – أسامة – أهمها، إذ صبغها ببصمته الفريدة والخاصة فقد كان يعشق شخصية – أسامة – حتّى ظهرت بهذا الجمال والحبّ. الجدير بالذكر أن الفنان الراحل ممتاز البحرة ينتمي لرواد الجيل الثاني في الحركة التشكيلية السورية. تربّى في بيئة دمشقية ودرس الفنون بجامعة دمشق. ويعد الراحل من أهم رسامي أدب الأطفال إذ رسم للكتب المدرسية التابعة لـوزارة التربية السورية التي تناقلها الأطفال في السنوات المدرسية الأولى فأحب الأطفال شخصياته – باسم ورباب – وقد تميز في اختراع العديد من الشخصيات التي أعطت الكتب المدرسية طابعها المميز . كما يعد الأب الروحي لمجلة – أسامة – التي أسسها عام 1969 مع الكاتب المسرحي سعد اللـه ونوس والقاص زكريا تامر، ومؤسس مجلة – الطفل العربي – الصادرتين عن وزارة الثقافة في دمشق. ومن أهم لوحاته لوحة “ميسلون” المعروضة في بانوراما الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق. الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل … شمس الطفولة ومنارتها التي حملت على عاتقها ” تكبير مساحة الطفولة لإيمانها بمدى أهميتها لإنتاج أعمال صادقة تلامس مشاعر الطفل وتحترم عقله ” . فمن بين الفنانين التشكيليين على الساحة السورية يبقى اسم الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل كأيقونة لها خصوصيتها في الإبداع السوري من خلال تجربتها الفنية الغنية مع عالم الطفولة حيث خطّت أناملها حكايات الجمال والطفولة في مجلات الأطفال وكتبهم .. وحملت الأمل والآفاق للمستقبل الأجمل ، فهي الاسم الذي رسم ملامح الطفولة لأجيال متلاحقة، وطبع صورة جميلة لقصص لا تزال في ذاكرة الكثيرين .. وهذه لمحة مختصرة عن المسيرة الفنية الغنية للفنانة الأصيل: من مواليد دمشق 1946 حاصلة على بكالوريوس اتصالات بصرية وعمارة داخلية من كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق عام 1969. واعتمدت كخبيرة فنية لكتب الأطفال في وزارة الثقافة وقامت بتدريس رسوم كتب الأطفال والعمارة الداخلية في كلية الفنون الجميلة وأشرفت على العديد من ورشات العمل برسوم كتب الأطفال داخل سورية وخارجها و تدريب الفنانين من المحترفين والهواة في مجال رسم أدب الأطفال. وللفنانة المبدعة معارض فردية للرسم والتصوير خاصة في مجال رسوم كتب الأطفال. ولإنتاجها الفني صفة الإبداع فلوحاتها مقتناة من قبل المتاحف أو بشكل فردي إضافة إلى تصميم العديد من الحملات الإعلانية والديكور والشخصيات المسرحية وعرائس للأطفال ورسوم لأفلام كرتون ونصوص ورسوم لحلقات تلفزيونية للأطفال إضافة إلى كتابة العديد من نصوص السيناريوهات لمجلات الأطفال وتصميم ورسم أكثر من 70 كتاباً للأطفال . حصلت الفنانة الأصيل على العديد من الجوائز والتكريمات ومنها ميدالية ” المجلس العربي للطفولة والتنمية – القاهرة ” لتصميم شخصية كرتونية للطفل العربي . و في عام 2006 نالت ميدالية المسابقة الدولية لرسوم كتب الأطفال في اليابان وفي عام 2008 حازت جائزة أفضل كتاب للأطفال- معرض بيروت الدولي للكتاب وفي عام 2011 نالت جائزة أفضل كتاب قصصي لذوي الاحتياجات الخاصة بلبنان. وختاماً نقول : المبدعون في بلادنا ثروة وطنية….نحبهم… ونعتز بهم… فهم الأيقونات والمنارات التي أضاءت للأجيال درب المعرفة ومهدت لنا سبل النجاح خاصة من توجهوا بعطائهم للطفولة السورية وأهدوهم الفرح والنور ليشع ألقهم في دروب الأجيال .. فاستحقوا منا كل الحب والاحترام والتكريم لهؤلاء المبدعين على أمل أن نوفيهم بعضاً مما قدموه لنا من لوحات ورسومات جسدت مواقفنا الحياتية بكل ما فيها من قيم أصيلة وعادات سامية .

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار