الوحدة 10-9-2020
هل بدأت فسحة الهدوء والاسترخاء بعد معمعة الصراع العنيف الذي شهدته أيامك الراحلات في سفر الأزمان؟ أم أنها مجرد وهم جديد يرخي بظلاله المديدة فوق قامتك اللاطية تحت سقف من صقيع صدىْ على تخوم المدينة المسوّرة بالحديد والإسمنت وقوانين المال الجائرة لكن وعلى الرغم من الاختلاف الجذري لحقيقة الإجابة عن هذين التساؤلين لم تتوقف كثيراً عن الأمر إذ إن صوتك الداخلي أصرّ على روحك لتستغل السويعات التي بدأت ملامحها أمامك وتحرر ذراعيك وساقيك من تلك القيود الموجعة وتستكين فوق رمال شواطئ الحلم قليلاً لتنس الجراح الغائرة في القلب وحرقة السياط التي ألهبت ظهرك في عز الظهيرة.
ترتسم ابتسامة خجولة على شفتيك المتيبستين ويستقيم جذعك فيطاول رؤوس شجيرات مزهرة بخضرتها الدائمة وتحمل خطواتك صوب هزيع المساء الأخير لتشهد حفلة السمر المفاجئة وتشارك برقصة الانتعاش في بستان الورود الذي لا تمر به إلا لماماً.
يفرفح القلب قليلاً وتبدأ أحاسيسك تلتقط أصواتاً وصوراً لم تكن تنعكس على جدر الدماغ قبل حين إذ تنقى تغاريد الطيور من نعيق الغربان وتختفي النفايات والأشواك من الحقول والرياض وفي اللحظة الفاصلة تجود السماء بمطر ناعم خفيف يغسل جسدك وخطاياك فتولد من جديد طاهراً نقياً كالجنين!
وحين يلتقط الشفق الوردي عينيك ويسرع بهما نحو المدى تتناهى ضحكات خافتات من وراء السفوح القريبة ضحكات تعرفها جيداً, لكنك لم تكن تدرك معانيها في ظل صراعك العنيف مع مؤامرات مجهولة ومعلومة تقودها كائنات هلامية تعشق الأذى والتشفي وتستمتع بمشاهدة عذابات الآخرين وتعمل جاهدة على تحطيمهم لأنها تأبى أن يكون لغيرها فسحة من فرح ولو كان وهماً!
ضحكات ناعمة لا تنفك تتحول إلى قهقهات متفاوتة الطبقات تتنامى رويداً رويداً لتتخذ شكلاً ثابتاً يثير القلق والغثيان ويسيطر صداها على الفضاء من حولك فتضيع في تردداته أي ضحكة عذبة توهمتها وتختلط الصور مجدداً وتتجهم.
تتراجع مذعوراً تائه الخطوات فقد أيقظتك القهقهات وردّتك إلى ما بين الجدران الخربة تتلطى تحت ذلك السقف الصفيحي الصدئ لتكتشف أن فسحة الهدوء
والسكينة مجرد سراب آخر تغذيه أحلامك وأنت مشلوح على تخوم المدينة المسورة بالحديد والإسمنت وقوانين المال الجائرة.
لمي معروف