الوحدة 10-9-2020
أصبح حلماً يراودنا طبق المكدوس بعد أن لحق بركب اللحم والبيض والفروج، وليس بسيد على وجبة الفطور، لنغصّ بلقمتنا الناشفة ونشعر بشوك حلقنا وسط صحراء النفوس، بعد جولة في الأسواق وقد ارتفعت فيها الأسعار واشتعلت تحرق ما في الجيوب، وبحسبة بين أخماس وعشرات ألوف نطلع براتب الشهر باندهاش وتحسر على ما كان أيام زمان، فكيلو الباذنجان بأحجام غير متساوية أو مرغوبة لا يقف عند 250ليرة وكيلو الجوز 25ألف والثوم بخمسة آلاف وزيت الزيتون بخمسة آلاف. أيضاً فهل لك أن تتخيل الناتج عند قطرميز المكدوس ؟
نساء يتجولن في السوق ويترحمن على المكدوس
أم سامر تهز برأسها وتقول : (مكدوس مين قال رح أعمل مكدوس)، كيف لي بذلك وتكلفته تفوق معاشي، يمكننا العيش بدونه والاستغناء عنه كما غيره من الوجبات، واستبداله بصحن فتة وحمص، صحيح أنه ملك المونة وسيد أطباق الشتاء لكن ما باليد حيلة وغول الغلاء في الأسواق، في السنة الماضية استبدلت الجوز بالفستق والعبيد ولم يتجاوز سعره الألف و(مشينا الحال)أما اليوم فهو بخمسة آلاف ليرة وكان دبس الفليفلة بثلاثة آلاف. أما اليوم فهو بخمسة آلاف ليرة حيث سعر الكيلو منها قبل التجفيف اليوم ب450ليرة، وزيت الزيتون كان ب1500ليرة أما اليوم بخمسة آلاف، والجوز ب25ألف ليرة وعدي آلاف مؤلفة وهذا فقط لقطرميز مكدوس (آي ..بلاه ..ينمحى من الوجود في بيوتنا كما اللحوم ..ما رح يبقى لنا شيء لنأكله ..عجزنا عن التدبير وليس فينا توفير).
أم جابر في قرية الجوزية تقول : عندي أربعة أولاد متزوجون جميعهم وقد عودتهم على أن أعمل لهم مونة الشتاء وأوفرها لهم وأنشغل بها لأمضي بعض الوقت دون ملل، حيث أزرع الباذنجان والفليفلة وفي البستان شجرة جوز كبيرة لتتوفر لدي كل المواد ببعض العناء والتعب، وقد تساعدني البنات في يوم العطلة والإجازات، حيث يجتمعن في مثل هذا الشهر وقبل فتح أبواب المدارس والجامعات، وكنت قد جمعت قطاف أسبوع من الباذنجان لنقوم بسلقه على نار الحطب ونقطع الفليفلة الحمراء التي جمعناها لطحنها وتجفيفها في شمس هذا اليوم الذي يشبه الاحتفال أو المهرجان والأولاد يكسرون الجوز ويقشرونه ليأكلوا نصفه وما تبقى يترك لصنع المكدوس، وفي نهاية مشوار ذاك النهار يقومون بشوي بعض اللحوم وأفخاذ الفروج على جمر السلق، إنه يوم لا ينسى بالنسبة لي وللأولاد، وهم بدأوا السؤال منذ أول الشهر عن هذا اليوم ومتى يمكنهم الحضور للقيام بمراسم الاحتفال بموسم المكدوس فقد احمرت وجنات وجبهات الفليفلة في الحقول وابيضت قلوب الباذنجان وأنا أعد العدة وأجمع المحصول وأحضر لهذا اليوم الجميل الذي سيكون لي بعده معهم لمة العائلة و اللقاء والتسلية لثلاثة وأربعة أيام متتالية لعمل الحشوة فأنا أفتقدهم لأيام وشهور بسبب دراستهم وانشغال أهاليهم بالدوام، فأجد في ذلك موعداً سنوياً أنتظره بفارغ الصبر، وما أجمله من موعد .فبعد أيام قليلة جداً سيكون موعدنا فأهلاً بالمكدوس ..يا غالي .
أم هبة : تقوم بصنع المكدوس لتبيعه وتأتي ببعض المردود يكون بمثابة راتب شهري حيث وظفت نفسها لصنع المونة والدبس والزعتر الذي تلم أوراقه من التلال والجبال، تقول : إنها في مثل هذه الأيام تبدأ بصنع المكدوس حيث تحضر الباذنجان من جارتها التي تزرعه كل عام أو من السوق لكنه الآن يفوق سعره 200ليرة والفليلفة ب450ليرة والزيت 5آلاف والجوز فوق ال20ألف .فماذا يمكن أن تطلب سعر كيلو المكدوس من الزبون، وتجهر بقولها وتبوح : اعتاد عليّ السيدات اللواتي تشترين مني أو توصينني على سعر مخفض عن السوق، لكني بتّ أعاني ويلات الغلاء والسوق وأصبح تسويق منتجاتي لبعض السيدات الراقيات وأصحاب الشأن الرفيع اللواتي تطلبن المنتجات ولا تهمهن الأسعار لهذا أخذ منهن الأجر الذي يسمح لي أن أتنفس وأعوض بعض الأمر لغيرهن ممن يعجزن عن الشراء، وقد أسلق الباذنجان وأجففه من الماء لتأخذنه بعض الموظفات اللواتي لا يجدن الوقت الكافي لعمل المكدوس، ولا أزيد على سعره الذي اشتريته من الدكان غير أجرة يدي وتعبي في السلق فيكون الكيلو بسعر المثلين كما كيلو الفليفلة المعصورة بالمرطبان 5آلاف ليرة ولا أعلم ما أبيع المكدوس اليوم .فالحساب قد عجزت فيه عن نتيجة وقد انكمش الطلب عليه بعد أن تكشرت أنياب غلاء الأسواق.
هدى سلوم