العــدد 9302
الخميــــــــس 28 شـــباط 2019
يفتخر السوريون بأن أجدادهم الأقدمين هم أول من امتلك ناصية الأبجدية بحروفها الكتابية وصدّروها إلى البشرية ليفتح بها البشر آفاقهم المعرفية على امتداد التاريخ، واليوم أفرزت المعارف الحديثة تصنيفاً جديداً للغة يسمى لغة الجسد يتمكن الخبراء في هذه اللغة من قراءة شخصية المرء وانفعالاته المخبوءة وما يدور في لواعج نفسه عن طريق تحليل حركات جسده فلكل حركة مدلولها الداخلي ولكل إيماءة معناها العميق ولكل تعبير حركي ظاهري إشاراته النفسية الباطنية، وكما تميز السوريون قديماً بحرف الكتابة يتميزون حديثاً بلغة الجسد الخاصة بهم والتي يحتاج الخبراء إلى دراسة متفرّدة للإلمام بها.
عندما تجلس المرأة السورية إلى ضيوفها فتقوم برفع أحد حاجبيها مع إيماءة خفيفة بالرأس فهذا لا يعني امتعاضها من حديث الضيوف لكنها إشارة إلى بناتها أن تقوم إحداهن من ساعتها وتقدم القهوة للضيوف ترحيباً بهم.
إذا رأيت أحدهم على شرفة منزله جالساً بصدر بارز وأكتافٍ مفرودة ورأس مرفوع بأنف تكاد أرنبته ترتطم بجبينه فهذا لا يعني أن موجةً من الغرور والعظمة تجتاحه لكنه للتو سمع صوت زوجته ينبئه بفراغ أسطوانة الغاز وهو في حالةٍ أخذته بها العزة بإثم الوقوف في الطابور.
الواقف في السوق يتلفت ذات اليمين واليسار بظهرٍ منحنٍ وكتفين منكمشين وساقين مقوستين لا تنقصه الثقة في النفس لكنها المثانة فاجأته بحصارها مع غياب المرافق العامة وبطلنا يبحث عن ثغرةٍ لفك الحصار.
الجالس على المقعد في الحديقة مغمضاً عينيه محركاً فمه يُنَقِّلُ الإبهام بين أصابع يديه في حركاتٍ متواترة لا يعاني من اضطرابٍ نفسي لكنه يمارس عمليات الحساب الذهني لراتبه علّه يصمد إلى منتصف الشهر.
المتسمّر أمام التلفاز متهدّل الكتفين يقضم أظافر يده اليسرى بينما يفرك بيمينه ساقه المهتزة لا يشاهد أحد أفلام الرعب لكن محللاً استراتيجياً يمطره بسيل من المكعبات والمفاصل والمنعطفات الجيوسياسية ويدوِّرُ له الزوايا ويفك عقد التشابك!.
المستيقظ صباح يوم (عيد الحب) عاقد الحاجبين متجهّم السحنة لا يعاني من عقدة رفض بدع الفرنجة لكنه يقوم بضربةٍ استباقيةٍ يعاجل فيها زوجته ويغلق أبواباً إن فتحت ولجت منها ورود ودمى وهدايا لا طاقة لجيبه في استضافتها.
الجالسة إلى أهل خطيبها بابتسامةٍ عريضة وعينين ناعستين ووجهٍ يوحي بالانتباه والإصغاء إلى كل كلمةٍ يقولونها ليست بالضرورة أن تكون مترعةً بمودتهم واللهفة إلى لقائهم إذ لا يبقى بعد الزواج في حضورهم من الابتسامة سوى نيوب الليث ولا يبقى من العيون إلا النعس.
حين ترى في البقّالية زبوناً مبتسماً يكاد ثغره يلاطم أذنيه بينما يقوم بوضع مشترياته أمام بقّالٍ مكتوف اليدين يزم شفتيه ويناظر الزبون بعينين متصلبتين، فهذا لا يعني أن البقّال يجانب أصول الملاطفة في التعامل مع زبائنه لكن أسبوعاً مرّ على أول الشهر والزبون لازال يشتري بالدين دون أن يفاتح جاره البقّال بموضوع حساب الشهر الفائت.
اللغة بحر للسابحين في خضمّه وكما نتميز في لغة الملافظ بضادنا نتميز في لغة الجسد بإيماءاتنا، هي لغة مختلفة وتحتاج إلى قراءة مختلفة.
شروق ديب ضاهر