سـقى اللـه أيامــنا بالفلافـــل

العدد: 9301

الأربعاء 27-2-2019

 

(خليلي إن مت وضاق بي الطوى .. فقولا: محبّ قتلته الفلافل) هذا ما أبدعه ودق به أبواب بطوننا وأنعش أفئدتنا المرحوم (حنا) وليس (السكران) من أهل اللاذقية عام 1960 وقد دفع ثمن سندويشته آنذاك خمسة عشر قرشاً، فكيف بمحب قتلته الفلافل المدللة هذه الأيام والتي تبرجت بالكاتشب والمايونيز وتعصرنت بصباغ ونكهات فماذا يمكنه أن يقول اليوم وقد وصل سعرها لمئتي ليرة والتي تزهق (حيل) يومية أي موظف أو معلم مهنة؟
باتت حياتنا في بؤس وتعتير بل تهريج، والفلافل لسنا عليه بقادرين لنفتح أفواهنا شاهقين وجائعين، فلطالما كانت المرافق لرغيف الخبز، لكن على حساب بيدر أي موظف وقد ضرب كفيه أخماساً بأخماس لن يحصل أن يأكل الفتة والفلافل كل يوم جمعة مع أولاده حتى لو كان مديراً بيدين نظيفتين.


أبو همام متقاعد وقد كان رئيس دائرة فيما مضى من الأيام الخوالي أشار أنه اليوم وزوجته الغالية بعد أن غادر بيتهم الأولاد كل إلى شأنه ورزقه لم يعد راتبه العجوز يقوى على متطلبات البيت والدواء، ماء وكهرباء، خبز وفلافل وهم بهذا على أحسن حال كما قال، فلننظر في الشارع ونرى صفوف ناس على الخبز وغيرها على محل الفلافل.
يمكن أن تمشي في أي شارع من المدينة وأحيائها فلا تجد غير محال الأطعمة، أكثرها شاورما وبينها فلافل، وكل له أهله وعشاقه.
عمر- طالب جامعي هندسة ميكانيك ويسكن في المدينة الجامعية أكد أن الفلافل سندويشة الجماهير الفقيرة وهي أكلته المفضلة، وكيف لا؟ ومصروفه الذي يرسله والده لا يكفيه لوازم دراسته وبعضه مصروف جيبه المثقوب من ثقل الحاجيات المعيشية، ليكون أكله أكثر الأحيان (سندويشة فلافل على كيفك) ولا يمكنه أن يحمل والديه وزر هذه الأيام ويطلب المزيد فلديه إخوة صغار في المدارس يحتاجون لأكثر منه، وهو شاب يحاول العمل في بعض الأيام فينصرف إليه في أوقات الفراغ ولو كان فيه الأجر قليلاً، وأضاف بقوله: حتى إن دعاك صديقك لتشاركه فطوره أو غداءه ستكون سندويشة فلافل لا محال، فأنت وهو على نفس الوتيرة من الناس، تتقاسمان الهموم ولقمة عيش مغمسة بالشقاء.
أم مريم، ربة بيت أشارت أنه لا غنى عن الفتة والفلافل صباح كل يوم جمعة، فقالت: هذه عادة (لادقانية) قديمة، سنوات عديدة وأنا أحضرها من عند (أبو شاكر)، لكن كسرها الغلاء هذه الأيام، فقد باتت كغيرها من المواد والاستهلاكيات، تحتاج لأضعاف ما كنا نصرفه في الشهر بكامله، وزوجي موظف (على قد الحال) والراتب لا يتجاوز 40 ألفاً بعد خدمة 30عاماً، لهذا بتّ أحضرها في البيت، خاصة أن ابني زودني بالطريقة من وصفات النت، فهي لا تحتاج لغير الحمص المطحون وبعض المنكهات والخضار، وقد نالت رضا أهل بيتي من خمسة أفراد، ومع هذا التكيف وبهذه الطريقة لم أستطع أن أوازن الميزانية الشهرية في البيت فقد بقيت الخسائر فادحة وضريبة أكلة الفلافل مرتفعة لتكون على المحك.
شهدنا ارتفاع الأسعار على سنوات متتالية، لتحلق في فضائها أسعار الوجبات السريعة والمأكولات الشعبية وحتى الفلافل والسندويش، ليتراجع الإقبال على المطاعم والمقاهي إلا من تعرشت فيها الأركيلة فيكون إقبال لا مثيل له، حيث انصرف أكثر الشباب إليها وعاثوا في لهيبها ولفيح أنفاسها، فهي وحدها للتنفيس عن هموم في صدورهم وتبديد وقتهم المسفوك بالنت، وتركوا الفلافل وخاصموا أهله الظرفاء، وتحاك فيها الحكايات كما نسج العنكبوت، اليوم وصل صحن الحمص (400-500) ليرة سورية وسعر قرص الفلافل 10ليرات وفي السندويشة الواحدة (5-6) أقراص فلافل فقط ولكل مكان طعم ونكهة وكل في حيّه مختار..
أبو جعفر من عام 1993 يعمل في هذه المهنة وكان الحال عال العال والرزق كثير كما أي موظف حيث كان كل شيء رخيصاً، كيلو الحمص ب30 ليرة وتنكة الزيت من أفخر الأنواع 500 ليرة وجرة الغاز 75 ليرة وقتها كانت السندويشة 10 ليرات وقرص الفلافل (يا بلاش ) وعندما أنزل إلى السوق أشتري الخضار لأسبوع وأملأ سيارة السوزوكي بها ب1500 ليرة وكان المحل صغيراً على بسطة وبعدها استأجرت ثم اشتريت المحل فترة الرخاء حيث استطعنا توفير المال كأي موظف راتبه (1000- 1500) ليرة كان وقتها فيها يوفر، لكن الآن راتبه 45ألف ليرة وبعد الأسبوع الأول ينكسر راتبه لبقية الشهر فاليوم سندويشة الفلافل ب 200 ليرة وفيها نضع 7 أقراص فلافل والقرص 10 ليرات وخبز سياحي الربطة ثمنها 300 ليرة لتكون مبيعات أيام زمان أفضل بكثير وتابع: مصداقية الشغل والنظافة والبضاعة هي ما يجذب الزبون، وأنا أحب أن أدلـله ولا أحتاج لغير الجود والكرم والسخاء بالمواد والنكهات لتكون لقمته هنية بجودة عالية، ولا أستخدم المايونيز والكتشب مازلت على حامض الليمون البلدي الذي يصل في الصيف سعر الكيلو منه 500 ليرة ولم أغيره ونوعية الحمّص بلدي حتى بعز الأزمة فالطعمة فيها فرق وتغيير ولدي عمال لديهم أسر وعائلات يعتاشون أجورهم من المحل، كما لدي أولاد جامعيون لكنهم تعلموا المهنة يأتون لمساعدتي ويقضون وقتهم في المحل ولدي عاملات لتنظيف الخضار وتنقيتها لكن المخلل أنا من يصنعه لأضمن نكهته وجودته ونظافته، آتي من الخامسة صباحاً لبعض التحضيرات وقبل استقبال الناس بفلافل يحبونها وعلى كيفهم طوال اليوم لأغلق في الثامنة مساء والحمد لله على كل شيء.
أبو كرم- منذ أكثر من عشرين سنة يأكل الفلافل ولا يمر يوم بدونه قال: أبو جعفر إنسان كريم ومحبوب في الحارة ويصنع أمامك السندويشة أو يقلي الفلافل لتكون ساخنة، لا يمر يوم بدون أن أمر عليه وأحمل الفلافل لزوجتي وابني لكن ليس كل الأوقات يأكلونها لتكون حصتي كبيرة، واليوم الفلافل برهجة وبهجة جديدة بالكتشب والمايونيز وحسب ما يريدها كل واحد منا، لكنها فوق مستوى الدخل والعيش ولو كان الشباب هنا أكوام، الفلافل أكلة شعبية وتعطي الصحة ويأكلها اليوم الأغنياء بعد أن ذاع صيتها عند الفقراء والفلافل ملك أيدي الجميع وعلى اختلاف أوضاعهم وحتى لو حاولوا أن يسرقوها من فمنا بغلاء الأسعار فلا شيء يغنينا عن الفلافل ونهش السندويش.

هدى سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار