كثبان الاقتصاد المتحركة

الوحدة 9-7-2020   

 

يتجنّس اقتصادنا اليوم بهوية المكتوم، لقيط، لا أب أو أم، أضاع النسب وزوّر شهادة الميلاد، هجين، ماركسي الهوا، اشتراكي المولد، ليبرالي المحصلة.

آهٍ يا أبا خليل القباني، قد استبدل المسرح الجاد بالعبثي، ولعبت (المسلاة) بالوقت المستقطع، فانشغلنا نحن الجمهور بها عن الملهاة، خاننا الذكاء، رحنا نصفق لأبطال نزلوا عن الخشبة، بينما استولى الكومبارس على الكواليس، وقدموا عرضهم في الخفاء ثم استحوذوا على الصالة، فوقعت (المأساة).

آه يا دون كيشوت، سيفك خشبي، تحارب به الهواء، وسيفنا خلبي نقطع به شلال ماء يالمرارة المقاربة!

(المفرخة) عنوان زاوية لي رفض أحد رؤساء التحرير منذ عشر سنوات نشرها تحدثت فيها عن الحرامي المحترم، لص مكسيكي، يشبه الثعلب لكن ببزة وربطة عنق، قلت فيها أن مدير مصرف حكومي يفرخ بنكاً خاصاً، ومدير الصحة يجهز مشفاه الخاص ومدير المريديان يفتتح مطعمه، ومدير منشأة دواجن ينشئ مدجنته، الخ، قد قام كل شيء على أنقاض وحساب شيء واحد، من دون زيادة أو نقصان في القيمة المضافة طبقاً لقانون مصونية المادة، انزياح من ملكية إلى أخرى، اسقاط شاقولي على مجسمات أصغر!

رفض صاحبنا (المرتاب) الفكرة، لدرجة حسبته مقبلاً على تفريخ مطبعة، وعجبت لأمره لم أنكزه فلمَ نخزته شوكته، بالطقم والكرافيت اللتين يرتدي..؟.

سهي الرعيان كانت الخصخصة لم نسمع جعجعتها لكنّا رأينا طحنها للأخضر واليابس، ليست بمعناها الساذج بيع قطاع عام لمساهمين، وكم كنا مغفلين!، هي تفكيك لمؤسسات الدولة الإنتاجية وإخراجها من سوق المنافسة. ليست بيع آلات وأدوات إنتاج، لعمري القطاع العام مهترئ لا طمعة في أصوله الثابتة، ولكن في سوقه المتحركة، التي تتقلب ككثبان رملية على راحتي مزاج رياح تبعثر الأدوار وتعيد ترتيب الأوراق!.

كنا نحقق انتصاراً نرجسياً، مع كل تطمين خلبي ينفي الخصخصة، أي ماء ينزلق بلا صابون تحت ممشانا!، نتكعبل فنقع، تتأجّل الآلام حتى تورّم الكدمة، وها قد انتفخت، بللنا الشعارات وشربنا ماءها، وأي عمر تسربل من بين أصابعنا كرمال صحراء!، يا لسذاجة أن نتوقع بيع (المحركات) لسين من المستثمرين و(الأخشاب) لعين، و(الألمنيوم) لفلان  و(إسمنت برج إسلام) لعلتان، هل كنا نستثمر في الخردة!، للاستثمار الريعي زمّرنا، وللزونات السياحية روّجنا، وطبّلنا لملتقيات استثمارات الدبيكة لعروس عاقر، يا للغربة أن يقفل صندوق الأسرار من هذا المفتاح!.

انظروا حولكم، وتلفتوا يمنة ويسرى، التسعيرة عالقة بين مشادات وزارة الصحة وأصحاب المعامل الخاصة منذ أربعين يوماً، ورفوف الصيدليات كادت تفرغ من زمر الدواء، هل ضرب مدير معمل حكومي على صدره متوعداً بالحل، وأين هي شركات الدواء المملوكة للدولة؟ لا يوجد غير (تاميكو)، أعرج يسير على خط إنتاج واحد كم كان باهتاً وقع خبره وهو يمرر على الشريط أسفل شاشتنا الفضائية، حتى السورية للتجارة فجرت الفقاعة  باستحواذها على أذن الفأر من حصة السوق ثلاثة بالمائة، وتسوق بها لمنتجات الخاص وليس العام، ترحّمنا على حالنا هذا مذ استبدلنا كونسروة جبلة بمستودعات للتبغ!.

خديجة معلا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار