الوحدة 23-6-2020
من نافلة القول أن الوضع المعيشي بات يمتهن الهاوية، والحياة تقسو يوماً بعد يوم على المواطن السوري الصابر بعدما اجتمعت كل شياطين الأرض وصبت حقدها على لقمة عيشنا، فالعدو طرح كل أسلحته، وشركاؤه من (إخوتنا) في الوطن يمارسون دورهم اللا أخلاقي بمنتهى الحرفية، والعلاج لا يعرف طريقاً إلينا، وما لنا إلا الصبر، والاحتيال على سبل المعيشة.
لا يرى معظم المواطنين في جولات الوزراء على الأسواق والفعاليات الخدمية أي مفعول حقيقي، فما تنقله كاميرات التلفزيون لا يشبه الواقع، وما يُقال في حضرة السادة الوزراء، يتبخر بعد رحيلهم بدقائق، ولا لوم على التاجر البسيط أو صاحب البسطة المتواضعة، فهؤلاء يحاكون واقعاً فُرض عليهم، وهم ليسوا سعداء بكل تأكيد في ظل الإحجام الشعبي عن الشراء، وانعدام قدرة المواطن على مجاراة الواقع المستجد.
يجمع كل من نلتقيهم على ضرورة إيجاد قفزة نوعية في الرواتب والأجور تتناسب مع جنون الأسعار، وجشع التجار، ويتفق الجميع على مسألة غاية في الأهمية، إذ يريد هؤلاء تحسين وضعهم من دون أن تصب أي زيادة في جيوب من لا يرحمون، فالشواهد التاريخية تثبت أن كل زيادة سابقة، حملت معها مصيبة لجهة ارتفاع الأسعار، ومضاعفة الأعباء، فهنالك من يمتهن التربص بمقدراتنا، ويده دائماً على زناد الإطاحة بمدخراتنا (إن وجدت).
معظم الناس لا يريدون زيادة أجرهم كما كان يحصل في السابق، بل إن مطلب الجميع هو تخفيض الأسعار فقط، وهذا الأمر لا يبدو متاحاً، وليس لدوائر حماية المستهلك طاقة على ذلك، فالمسألة أكبر بمرات من مراقب تمويني أو دائرة حماية المستهلك، لأن اللاعبين محترفون، وليس للهواة قدرة على مجاراتهم.
إذا كيف السبيل إلى وصال حالة معيشية تتناسب مع الإمكانيات؟.
الجواب يكمن في كلمة السيد الرئيس الأخيرة للحكومة، عندما أسهب سيادته في الحديث عن المؤسسة السورية للتجارة، وطالبها بأن تكون تاجراً شاطراً لمصلحة المواطن، وذكّر القائمين عليها بأنهم يمتلكون من الإمكانيات ما لا يمتلكه أي تاجر آخر.
هذه التوجيهات يجب أن تأخذ حيز التنفيذ السريع، وأن تخرج من (البروظة) أمام عدسات الكاميرات إلى الفعل الحقيقي، فعندما نقصد صالة للسورية ونجدها فارغة، سنصاب بنكسة إضافية، وسنقول عن هذه المؤسسة إنها تاجر كسول، ولا تصلح للريادة والشطارة، ولكننا، عندما نقصدها ونجد فيها تشكيلة سلعية واسعة من كل الاحتياجات، سنستعيد الثقة بها، وستصبح قبلتنا الشرائية الأولى.
كيف نحسن الوضع المعيشي من دون زيادة الأجور؟.
أمام الحاجة الملحة لرفع الأجور، والخوف من أن تذهب أي زيادة إلى جيوب التجار (الأوادم)،يجب أن نبتدع حلولاً كي نحقق معادلة مكتملة، والحل الأمثل لذلك بحسب رؤية ضيقة يكون بتمكين السورية للتجارة، وجعلها الحوت الوحيد في السوق، فالكتلة النقدية لأي زيادة مرتقبة يجب أن تصب في صندوق السورية للتجارة، لتصريفها إلى مواد استهلاكية، وتقديمها للمواطنين بأسعار تتناسب مع أجورهم، فكتلة الدعم أو الزيادة ستدفع من خزينة الدولة بكل الأحوال، ولكنها لن تحقق أي شيء إن لم تضبط وتقدم على شكل مواد استهلاكية، يتحكم بها القطاع العام فقط.
في حال كان هذا الطرح خياراً للحكومة، يجب أن يلتفت القائمون على تسعير المواد في المؤسسة إلى ضرورة أن تكون أسعارهم مماثلة لسعر السوق أو ربما أعلى بقليل، لأن تخفيض الأسعار سيخلق سوقاً سوداء، وسيهجم تجار الأزمة لشراء هذه المواد ،لبيعها في مخازنهم بسعر يناسبهم، فحتى لو ختم على كل مادة اسم السورية للتجارة، سيكون بمقدور التاجر فرط هذه المادة وإعادة تعبئتها من جديد.
إلى البطاقة الذكية در…
نعم إنها الحل الوحيد في هذه الأزمة، فرغم كل الشتائم التي كلناها لها، ورغم سوء توظيفها في أماكن عديدة، إلا أنها ذات مفعول إيجابي إن تداركنا عيوبها، والشاهد الحاضر على فعاليتها هو دور أسطوانة الغاز، فبعد أن كانت الناس تقضي أياماً أمام مراكز الغاز، جاءت البطاقة، وحلت طوابير الانتظار، وباتت الرسالة الآتية من شركة محروقات سبيلاً جيداً لإراحة المواطن رغم تأخرها وتعثرها في أحيان كثيرة.
ونقيس على التجربة، لنقول: إن نجحت السورية للتجارة في التحكم بالسوق، وتوفير تشكيلة سلعية واسعة، تستطيع البطاقة الذكية أن تكون فعلاً ذكية، وأن تشكل حلقة ربط مميزة بين السورية والمواطن، فيحصل المواطن من خلالها على كل السلع الأساسية بسعر مدعوم يتناسب مع راتبه قبل الارتفاعات الأخيرة لسعر الصرف، وتحافظ خزينة الدولة بهذا الشكل على كتلة السيولة الضخمة في يدها، وتمنع في نفس الوقت عمليات المضاربة في السوق السوداء، لأن من يضارب داخل الحدود السورية، يحتاج إلى ليرة سورية فقط، وعندما تغيب الليرة عن التداول، ستنتهي عمليات المضاربة، وستتحول العملات الأجنبية إلى فتيات ليل متسكعات على أرصفة المدن السورية.
غيث حسن