الوحدة 10-6-2020
مع أول رصاصة أطلقت علينا، هرعت نسوة سوريات شريفات إلى محلات الصاغة لبيع مصاغهن وإيداع ثمنه في المصارف الحكومية دعماً لليرة السورية.
شكلت تلك المبادرة ظاهرة معبرة عن استعداد السوريين لمواجهة الحرب المعلنة عليهم، وتعاظم إعلان الجاهزية للمواجهة عندما قامت تلك النسوة بشحذ همم أبنائهم لحمل البندقية دفاعاً عن أرض بلادهم، وعزتهم ،وسيادتهم، وكان ما كان من تضحيات جمة لا يعادلها ثمن في الوجود، فالعروس (سورية) بنت الأكرمين، ومهرها يجب أن يكون غالياً.
بعد مضي أشهر على المعركة، فوجئت حرائر سورية الحقيقيات بأن مصاغهن ذهب ريعه إلى جيوب أمراء الحرب، وما ادخروه بالليرة السورية يفقد قيمته يوماً بعد يوم، وفلذات أكبادهن يعودون شهداء مكفنين بعلم بلادهم، وكل ما سبق، قوبل منهن بالزغاريد والقبول، مع عبارة خالدة: (كلنا فداء للوطن).
المفاجأة الحقيقية بالنسبة لهؤلاء جاءت على شكل رسالة مؤلمة وجهها لهم (زعران) الأزمة بعدما استغلوا كل تفصيل، وباتوا من أصحاب الملايين والمليارات، فرصاص الحرب يصيب الشرفاء، وقذائف الحالة المعيشية تخترق أكباد ذويهم بلا رحمة ،والخطط الرسمية تفشل بمجابهة الواقع، والاستعداد للأسوأ.
في ظل العجز الحاصل من قبل المسؤولين عن معيشتنا، يراودنا تساؤل مشروع حول من أعمرت الحرب ديارهم، واعتاشوا على آلام الشرفاء، نسألهم إن كان باستطاعتهم التشبه بالنسوة الشريفات اللواتي قدمن كل ما يملكن دفاعاً عن وطنهن؟، فهل يملك هؤلاء (الرجال) نخوة النساء السوريات للمساهمة في الحد من التدهور الذي نعيشه، أم أن مهر الوطن يدفعه الفقراء، ليعيش تجار الأزمات بهناء؟.
يقيناً، لو أن هؤلاء الذين كدسوا مئات الملايين- بمختلف أنواع العملات- قرروا أن يساعدوا وطنهم كما أثروا على حسابه، لتغير الوضع بسرعة البرق، ولشهدنا عودة سريعة إلى واقع مقبول كنا نعيشه قبل الهسيتريا الأخيرة لأسعار الصرف وملحقاتها، وربما سنطلب منهم كأبسط إجراء أن يتوقفوا عن شراء الدولار، وتخزينه تحت (البلاطة)، أو طرح قسم من مخزونهم في الأسواق، لعل الأمر يساهم في كبح جماح الأسعار، وإعادة نوع من التوازن إلى الواقع المعيشي للمواطن البسيط.
للأسف، لا نملك سوى الحديث بالوجدانيات في ظرف قاس تغيب معه الحلول العلمية، وتقتصر الطروح على خطط بعيدة المدى، كان علينا أن ننتهجها قبل سنوات، فالهوة تتسع، والمسافة بعيدة بين الحاجة الملحة ولحظة بلوغ الهدف، وما دون ذلك آلام وعذابات لا نستطيع حملها.
غيث حسن