ما الحلّ؟

الوحدة : 19-5-2020

رحبت الأسواق على طريقتها بالوافد الجديد إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية (المستهلك)، وقدم تجار البلاد استعراضاً نوعياً أمام السيد طلال البرازي، معلنين التحدي السافر لأي خطوات سيقوم بها الرجل قبل جلوسه على كرسي الوزارة.

إنه الفحش بحد ذاته، والحرب القذرة بكل معانيها، والمطالبة الوقحة بالاستسلام أمام حفنة من الوحوش التي لا تشبع، فهل انتهت حلول الأرض يا سادة؟.

قبل أشهر من الآن، أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مراسيماً تجرم وتعاقب من يتعامل بغير الليرة السورية، واستبشرنا خيراً عندما رأينا الرعب يسري في عروق المضاربين وتجار العملة، وحينها، ثبت سعر الصرف، وتراجع بنسب متفاوتة، ولكن سرعان ما عاد نشاط أولئك العابثين بحياتنا ،فبتنا نشهد ارتفاعاً يومياً لأسعار المواد الاستهلاكية إلى أن وصلنا منحدراً سحيقاً، يصعب للمنزلق فيه أن يكبح انحداره.

صحيح أن تداول العملات غير السورية توقف بشكل علني، وأغلق كثيرون صفحات فيسبوكية كانت تتحدث عن سعر الصرف، ولكن ما يحصل على الأرض هو عكس ذلك تماماً، وما علينا إلا زيارة أي بقالية لعدة أيام متتالية، حتى نرى أن معظم المواد تُباع بحسب سعر الصرف المفترض من قبلهم، وهؤلاء لا يأتون بسعر الصرف من عقلهم، بل هنالك من يهمس لهم عند مطلع الصبح، ومغرب الشمس، بأن احذروا، فالغد قد يحمل لكم سعراً جديداً، وعليكم أن تزيدوا من أسعاركم كي تكونوا على أتم الجاهزية لتقبل الأسعار الجديدة.

هل يعلم المسؤولون عن الوضع المعيشي أن سلعاً تدحرج سعرها إلى الضعف في أقل من شهر؟، وهل يعلمون أن راتب الموظف بات يساوي نصف قيمته في أقل من شهر؟، على الأرجح، هم يعلمون، ولكنهم إما عاجزون عن التصدي لهذا الواقع، وإما عاجزون عن اجتراح الحلول، وفي كلتا الحالتين، نحن أمام كارثة معيشية فرضت نفسها بقوة في ظل غياب الحل والرادع.

يتساءل المواطن (المعتر)، كيف سيكون الحال غداً؟، ومن سيعيد لي قيمة معاشي؟، وكيف سأكمل دورة الحياة على هذا المنوال؟، فيأتيه الجواب من اجتماعات الحكومة المكثفة، وقراراتها التي لا يفهمها المواطن في أغلب الأحيان، وبالأحرى، لا يجد لها أي مفاعيل على الأرض، بل إن المفعول الوحيد المرافق لحياتنا هو غلاء كل شيء نصادفه ماعدا النفس البشرية.

قلنا سابقاً، وقال كثيرون، أن الحل لمشكلتنا الاقتصادية والمعيشية لن يكون إلا بدعم الإنتاج والمنتِج، وطالب الجميع بالاعتماد على الذات لردم الهوة بين الاحتياجات والإمكانيات، وصدرت بهذا الخصوص مئات التوصيات، ولكنها لم تغير نقطة في سطر المعاناة، فأين المشكلة؟، لا جواب.

بالأمس القريب سجل قطاع الدواجن خسارات بمئات المليارات، والسبب الحقيقي لهذه الخسارات هو غلاء مستلزمات الإنتاج، وقلة الطلب من قبل المستهلك، ففي وقت ضج فيه الناس من غلاء (الفروج)، كان المنتج أيضاً يضج من الخسارات التي تلحق به، فأصبحنا أمام خاسرين في آن واحد، ولو فطن المسؤول عن هذا القطاع، لاقترح دعم العلف والدواء، ولأصبحنا أمام رابحين (المنتج، والمستهلك)، ولكننا دائما نستيقظ متأخرين، وتكلفنا عدم جرة القلم الأخضر مليارات الليرات، وهكذا دواليك.

لقد باتت الشكوى أسطوانة مملة، وحديثاً ممجوجاً، فما نحتاجه هو الفكر فقط، والعقول النيرة التي تعمل بلا انقطاع، وإلى أن يرزقنا الله بباقة من هؤلاء، نستودع أنفسنا عند من لا تضيع عنده الودائع.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار