تحـــت المجهــر….عالم مـأزوم

العدد:9297
الخميس: 21-2-2019

في زمن يتصارع فيه الأضداد، وفي عصر تعود فيه شريعة الغاب لتجتاح العالم،
فلا ضوابط أخلاقية ولا روادع قانونية تحكم تصرفات الذين لا يشبهون البشر في شيء إلاَّ في أشكالهم التي كتب الكذب على جباهها، ورسمت الخديعة على وجوهها، فغاصت في وحول الظلم ركابها، وفي مستنقعات التعدي رؤوسها، باحثة عن مزيد العصر في عالم أصبح النظام الأمريكي يبتلع حقوق الشعوب فيغزو ويضرب وينهب، فيجوع الشرفاء في ديارهم، وتسرق لقمة عيشهم من أفواههم في شرق الأرض وغربها.
فلا يروق الوحش الأمريكي والنمس الصهيوني أن تكون هناك منطقة هانئة أو هادئة، في عالم تأكله الصراعات وتهضمه البلوى والنزاعات.
إنَّه عالم مأزوم تثقل كاهله المشكلات، وتقضُّ مضجعه الموبقات في غياب كامل لصوت العقل، وتودي به إلى التهلكة والمواجع.
إنَّها أمريكا عنوان الشّر في العالم، وراعية الإرهاب المنظّم وناشرة الفوضى بالطريقة التي تريد.
تزداد قوتها من دماء الأبرياء وتعلو سطوتها من ضعف الأخرين.
فالضعفاء يزدادون ضعفاً، تنكمش أجسامهم من الجوع، وتتمزّق صفوفهم من الخوف والضياع.
والعرب هم الأشدّ تَمزّقاً، والأكثر هزيمة، تشبعت آراؤهم، وتناصرت جموعهم، ولت هويتهم عندما ازدادت قوتهم على الضياع، وكَبُرَتْ عزيمتهم على التشرذم.
فغدوا أكثر ضعفاً وأقلَّ حكمة تقودهم الغرائز الخبيثة بعيداً عن روح العقل وطموحات المنطق.
لقد نُخِرَتْ أفكارنا القومية، وأُعدِمتْ تطلعاتنا نحو الوحدة العربية، وبخاصة عندما غدت إمارةٌ هنا ومشيخة هناك تتحكَّم بمصير العرب لتجعل العروبة في مهبّ الريح.
مشيخات لا يقارب عديدها سكان قريةٌ من قرى العديد من البلدان.
حكَّام غدا اهتمامهم الأول إرضاء الأمريكي والخنوع أمام الصهيوني واللجوء إلى المستعمر الذي طرده الآباء والأجداد بنضالهم وتضحياتهم في الزمن الصعب.
فهل يُؤمنْ هؤلاء الذين امتصوا دماءنا وآكلوا خيراتنا، وعبثوا في مقدرتنا، ودافعوا عن الداعشية البغيضة ومعهم الأعراب الراكعون على عتبات الصهيونية البغيضة التي تحتل أرضنا بعد أن ابتلعت فلسطين ونشرت الفكر المتخاذل المهزوم؟!
نسى العرب الدعوات للوحدة وخبتْ صيحات التضامن وغابت عن الوجوه الخائنة المسحات الرحمانية ودخلت في دمائهم جينات الذّل والخنوع، إنني لا أخلع الغربة المألوف، ولا أحاول أن اجعل المدهش أليفاً ولكن لو استخدم العرب نصف عقولهم لأزدادوا غنىً معنوياً ومادياً ولتحولت الصورة الداكنة وتبدلت ألوانها الكئيبة إلى معالم زاهية نابضة بالحياة وعلى الرغم من الملَّمات لم تقطع سورية الأمل والتي ستظلُّ انتماؤها عربياً، وستبقى ملاذاً للشرفاء داعية للتواصل وبكلَّ قوة، وساعية وبكلَّ امانة لرفع الراية خفَّاقة رمزاً للتحدي والصمود، سورية التي تعتزّ بالعلمانية، والعاملة بموضوعية بعيداً عمَّا يلجأ إليه الأخرون من تصنيفات تجاوزها هذا الوطن هنَّا أن تتحرر الأمة من وهن الضعف والخضوع.
وها هو العالم بعيد قراءته لسورية التي صمدت وانتصرت وحوّلت همومها إلى دنيا من المحبَّة والنّور في وقت غرق فيه الأعراب في وحل الهزيمة والانكسار بعد أن تسطحت ذاكرتهم، وخفَّتْ تجاعيد أدقنهم فمالو إلى بني صهيون أوحنَّ بعضهم إلى أصوله، تسوقهم إدارة مهزومة تشّوه في قيم العروبة والإسلام.

 د. مبارك سعيد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار