عرّافــــة.. بصـــــارة.. «ما بـدك تعرف بختـك؟»

العدد:9501

الاثنين: 6-1-2020

 

ندعي بأننا لا نؤمن بما يقوله المنجمون، ونهتف (كذب المنجمون ولو صدقوا) وما إن يهلّ عام جديد ونحن في صحوتنا أو سكرتنا أمام شاشة التلفاز وعلى الفضائيات قابعون، نبحث عن فقرة التنجيم وقراءة الأبراج والطالع وما يتنبأ به (أبو العريف أو أم العارفين) أو نسمع عن منجم أو قارئة فنجان (قالت: يا ولدي لا تحزن) وحتى لو كانت في (الصين)، بلا دخان نسافر إليها من الفجر وقبل (طلوع الضو) لنكون وراء بابها في وجه الصباح ومع غيرنا منتظرين، مثقفين ومتعلمين وحتى جاهلين يتخايلون بنظراتهم علينا ويرموننا بشكوكهم وظنونهم، بعد أن انقطعت أوتار ربابة دنيانا لنعزف على إيقاع الطالع والنازل وكشف الفال، أهي حاجة وأمّ اختراع لإغاثة ملهوف يغالب الأوجاع، أو باتت عادة نستهلّ بها يومنا كل صباح، أم أنه الفضول وحب ّالظهور.

في طريقها إلى شغلها أو مشوارها على الكورنيش أو انتظارها في الحديقة تراها تقدم عليها امرأة وفي يدها بعض الحصى والحجارة الصغيرة التي تقرقع بين كفيها لينهمر وقع كلامها عليها سهاماً تصيب الفؤاد بالفرج والحب الذي تنتظر منه أن يطرق الباب، وتسألها: (تريدين أبصرلك يا حلوة) وسرعان ما توافقها و تنجرف بردها: وماذا أيضاً، فترد عليها تلك (بيضي الفال ..أول).
امرأة وسط ثرثرة نساء وقرقعة قهوتهن الصباحية تقرأ إحداهن فناجيهن فيكون لها ذلك كل يوم، كما تشير ناديا بقولها: نلتقي كل صباح وقبل أن نذهب لوظائفنا ومشاغلنا عند أم هبة جارتنا في الطابق الثاني من البناية، ولا أعرف السبب الذي يدفعني لذلك غير أنها قرأت لي فنجاني في المرة الأولى التي أتيت بها دارها وكان فيه بعض الحظ والفرح في مصير عائلتي وعيشها، ومن يومها أصبحت عادة وبتُ آتي مع جاراتي إليها ونحضر (ركوة) قهوتنا معنا لتحضر هي الفناجين ونتسابق برشفها وفضها وقلب الفنجان وسط صرير الحديث والوقت الذي يحاصرنا، لنفضّ جلستنا بقضاء حاجتنا ومعرفة ما يخبئه القدر من الفرح والسرور وكشف المستور تطمئن به النفس والقلب الموجوع.
يبدو تمسكنا بالأمل هو ما يجعلنا نرضى لنفسنا أن نكون رهينة أقوال العرّافين، هذا ما ردده أبو حسن على لسان حال ولده الذي خطف في هذه الحرب ولم يعلم هو وعائلته ماذا يكون في أمره وإن كان ما زال على قيد الحياة، تعرف على هذا الرجل من أبناء أعمامه وقالوا له إنه يمكن أن يفك عنه أسره ويخبره بما جرى لولده ويحلحل خيوط الأحداث فقد جاء على كشف الكثير من الأهوال عند كل من يزوره لكن يكلفه الأمر أن يحلحل ربطة جيبه ويدس الأموال في يد ذاك المحتال بكل جلسة وزيارة، لكن ما العمل ؟ (آه اللي رماك ع المر غير الأمر) ،كما أن الناس على بابه واقفون وقاعدون بطابور يصل لعشرة أمتار، ويأتون إليه من كل المحافظات فهو مشهور و(التعريفة) التي يطلبها لهي خير دليل على معرفته، وهيهات أن يصل دورك وتلاقيه قبل ساعات وساعات من وجودك في الطابور وغرفة الانتظار.
روزان سالم: تنتظر في بداية كل عام كما كل الناس شباباً ونساء وحتى رجالاً توقعات الأبراج وما يأتي على الفضائيات من أشهر قارئي الطالع ومتصفحي علم الفلك والنجوم، فهو ما يعطي دفعاً وزخماً للحياة، لكنها توقعات ولشريحة واسعة فيها ابن الأشهر القليلة وأبو الستين عاماً، كما أن بعض التوقعات قد يصدف وقوعها فتكون رهينة التوقعات، غير أني متفائلة جداً بالأيام القادمات وسيكون لي حظّ فيها وأعمل على تحقيقه وأبحث عن مفاتيح سعادتي لأدخل أبوابها بثقة وإيمان ومؤمنة بأن (بكرا أحلى).
أبو إياد: يرفض أن يقرأ له أحد ما بخته وطالعه، وهو مؤمن بأن القدر لا يعلمه غير الله، لكن عند رجال علم بالفلك وهم من يترصدون حركة الكواكب والنجوم، هم فقط من يمكنني الاستماع إليهم ومتابعتهم على التلفاز، وإن شاء الله تكون سنة خير على الجميع.
سلمى موظفة مدمنة على سماع الأبراج وقراءتها في الصحف وشاشة النت، وسرعان ما تؤثر بها ويختلج في صدرها الحذر حين سماعها بخبر سيئ وقد تصل يومها لدرجة كبيرة من الإحباط، لكن اليوم رأيت أشياء وأفعالاً تدفعني للتفاؤل واستقبال العام الجديد بفرح، حيث كان الناس في الأسواق يشترون ويحملون أكياساً فيها ما لذّ وطاب مع أولادهم، وهو ما يعطي روح الحياة لعام جعله الله خيراً وسلاماً وأماناً.
السيدة رغداء خير بك، مرشدة نفسية بدأت قولها (كذب المنجمون ولو صدقوا) لتتابع بقولها: بالنتيجة هي ظاهرة تفشت في المجتمع وطفت على السطح في الآونة الأخيرة بشكل مريب، وما يلفت النظر أنه تمّ تسييس هذا الأمر ولاحظنا أن بعض المنجمين يتحدثون بما يملى عليهم من بعض الجهات السياسية في بلدان العالم، فتكون التنبؤات وفقاً لإرادة تلك الإدارات وما ينسجم مع سياساتها، ولا يمكن أن يطالعنا صباح يوم جديد إلا بسباق لمحطات التلفزة والإذاعة وقد تبنت أحد المنجمين لتخصص له جزءاً من الفترة الصباحية ليقرأ حظوظنا ويعطينا جرعة من الأمل والتفاؤل الذي اعتدنا أن نتجرعه يومياً بلا جدوى، والمؤسف بالأمر أن هؤلاء يتكاثرون ويظهرون بشكل فظيع في رأس السنة ليبثوا فينا أحداث المستقبل، أما المضحك المبكي يرسمون ما سيجري لكل برج في الأيام القادمات، بل الأهم من هذا وذاك أن لكل من الأبراج المعروفة عالمياً أبراج تقابلها بالصيني فلنتصور الأمر!
إنه لمن المحزن الاستخفاف بعقول البشر، وهو الأشد خطراً ومن خلال اللعب على الوتر العاطفي يشدون الأفراد إليهم ويدفعونهم للثقة بأقوالهم، قد تصيب أحياناً بعض التوقعات بالصدفة، فيسرع البعض للتزييف والترويج لذاك المنجم على أنه لا يقول شيئاً إلا ويحدث، والمحزن أكثر أن نتسمر أمام شاشة التلفاز لنستمع لهؤلاء نتابعهم ونترصد كل حرف ينطقون به، ونصدقه خاصة أننا نعيش أوقاتاً عصيبة من الضيق لينالوا منا بجرعة أمل ولا صحة فيها، ونغفل أن الله عز وجل هو وحده يعلم بالغيب وهم لا يعلمون ولا يفقهون مهما وصلوا من شأن ودرجات في العلم ولنبتعد عن هذه السخافات والترهات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولنبقي الأمل في الله دائماً وموجوداً.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار