طرطـوس بين الحلــم والحقيقــة

رقــم العــدد 9491
الثلاثاء 17 كانون الأول 2019

بعد طول جفاء، تساقطت أمطار كانون غزيرة متواصلة ليومين متتاليين، كانت موسيقى المطر تعزف ألحانها في كل مكان, وعلى مدار الساعة حتى مللنا ما نحب!
غزارة الأمطار في طرطوس أوقفت حركة الناس في الشوارع, وقطعت أرزاق الباعة الجوالين، لكنها لم توقف التحضير للاحتفال بعيد الميلاد, ورأس السنة، فقد انتصبت الاشجار المزينة في أماكن معهودة, ومتعددة من المدينة, ولحظة توقف المطر أضيئت, وعلت أصوات المفرقعات, والأغنيات.
طرطوس أم الشهداء، لا تتوقف فيها الحياة، وكما في كل خميس، احتشد الشباب في مركز المدينة, وشاركوا بالاحتفال, فعلت أصوات الدردشة, والأحاديث مع أصوات الغناء, والموسيقى.
صحيح أن شوارع طرطوس, وبشكل عام تحولت إلى سيول, وأنهار صغيرة, وبرك ماء، حتى الأرصفة لم تخلُ من بركة هنا, وبحيرة هناك.
حديقة الطلائع التي هرب زوارها, واغتسلت بقوة، كانت الجرذان تتجول فيها, وتلعب صبيحة اليوم التالي بين أوساخ متروكة منذ شهور عند سور صامد لم ينتزع كغيره من الحدائق، وألعاب مغلفة بأكياس من النايلون..
الأمطار التي سالت في الشوارع إلى مصباتها حيث الشوايات أو البلاليع، كانت تقف بجانبها ريثما تصبح سيلاً قوياً يتمكن من الدخول إلى المكان..
كل شواية أعلى من الأسفلت المجاور لها!


مسألة تدعو للاستغراب، ففي كل مكان كان المشهد يتكرر, وكأن الصانع واحد.. حتى أن المار يستخدم الشواية للعبور فوقها, ثم القفز فوق المياه المتجمعة بجانبها, أو الغوص فيها.
نسمعهم يتحدثون عن مدينة سياحية, ومشاريع خلبية، وينسون أرصفة مهترئة, وشوارع تحتاج لإعادة تأهيل شرط أن يستعينوا بأصحاب خبرة, واختصاص، ويتحدثون عن فنادق بنجوم, ومراتب, وعن أبراج شاهقات بينما تعاني مدرسة فاطمة العلي مثلاً من تهديد بالخراب بعد سقوط أجزاء من أسقف فيها وقت دوام!
في حملة التقليم هذا العام، وكعادتهم كان التقليم قاسياً على الأشجار, والتحطيب سيد الموقف, وأمام المارة، فكل الأغصان من شجرة معينة تقص, وتقطع, ويتم تحضيرها للاستخدام, ونقلها، لا عجب فحتى الساعة لم يتم توزيع مازوت التدفئة في المدينة.
طرطوس المدينة المتكئة على كتف بحر جميل من جهة, وعلى جبال خضراء عظيمة من جهة أخرى، تنتظر بعض تجارها الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، لكن هذه المرة لن ينسوا سكانها الفقراء الحالمين، فالكحل ولا العمى..
يقول رجل عاش وأهله من قبله أكثر من مائة عام في مكان يحلم أن يصبح مناسباً لسكن البشر, وأنه بعد طول الانتظار خرجت دراسة من غرفة العمليات تعطيه الحق بالعيش بكرامة في بيته بالجانب الشرقي لكورنيش البحر بينما يعدَ البعض العدة لبناء أبراج في المكان رأيناها حيث يحمل صورها كل مواطن هناك, وهو يبتسم أخيراً بعد أمل ضاع، وقد ولد الأمل من جديد، أن يبتسم قبل أن يموت هو, وأولاده من بعده.
في أطراف المدينة واتساعها شرقاً، تحولت بقايا الأراضي الصامدة بأشجار زيتونها إلى مكبات للقمامة, والردميات التي تخرج من بناء هنا, وعمارة هناك.
في اجتماع دام لساعات، قبل عام مع مجلس مدينة طرطوس خرجنا – كصحفيين – من القاعة المتطاولة المستديرة فرحين, وكلنا أمل في خطة سنوية لم ينفذ ولا واحد بالمائة منها حتى الساعة..
كتبنا يومها عن مشاريع وردية أهمها: بناء لجامعة طرطوس, وشارع عريض اسمه 8 آذار, وعن تحويل أحياء مخالفة إلى نظامية بعد المسح الجوي لها, إضافة إلى المشاريع المتعثرة السياحية.. خطط كأنها وهمية نقف أمامها سعداء مصدقين, ثم حائرين مخذولين!
لا ناقة لنا ولا جمل.. لنا قلم نريده صادقاً ونظيفاً.. وبلد نتمناه الأفضل والأجمل والأحسن.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار