صمت العتمة والليل والسكون يخيمان على منزله ، يبيت لياليه بقلق بعد تقاعده وبعد انتهائه من تربية أبنائه وتزويجهم ليزداد خوفاً من الشعور بالوحدة ، شعور أثر به بعد أن أشرق الصباح على جسد طاله المرض وشجون أخرى أثارت لديه أعراض الحزن والانعزال ، يعدد أخطاء ارتكبها في الماضي البعيد، ويندم على اتخاذ قرارات غير صائبة بعد أن عركته الحياة بالحكمة ، فهو ومع بلوغه سن الستين يرى نفسه لم ينجز أشياء مهمة على الرغم من طموحه الدائم خلال سنين حياته الأولى إلى تحقيق أحلام شخصية إن كان في المهنة أو على صعيد الأسرة ليعيش الحياة بصورتها المناسبة مهما كانت الظروف ، فلم ير منها الآن سوى مصير ضبابي مع تقدمه في العمر ، ينظر إليه بعين متربصة متوجسة يضفيها الروتين والملل الذي بات يتغلغل في مسام الروح فلا بد له من التفتيش عن ثغرة يدخل منها لكسره بكافة الوسائل محاولاً اجتياز عتبة اليأس ينظر مرة في صورة العائلة المعلقة على الجدار ، ويجوب مرات الطرقات ، يتسوق ،يغوص في المقاهي ، يجلس في الحدائق العامة تشده روائح الزهر والتي كان يشمها في بداية حياته لكن لها اليوم رائحة مغايرة ، محاولاً التحايل على همه بالاستماع إلى قصص أقرانه وتجاربهم وظروفهم الاجتماعية ، فمن الذكاء أن يتفاءل بها ، والأهم ألا يترك للهم إلا بضعة عظام متناثرة ، أن يجرّب حياة أخرى تتناسب مع عمره الآتي ، فالتفاؤل له حضور وهو بمثابة الدرع الذي يحميه من مخاوفه الوهمية ، وربما يكون له معين في استدراج السعادة القسرية والمشتهاة ، المنتصرة على صراع الواقع المر الذي يستنفذ كل طاقات البشر عامة والمتقاعدين على وجه الخصوص .