الاقتصاد المنزلي .. مـن الأجــــدر بإدارة مصــــروف البيــــت ؟

العدد: 9433

الأربعاء:25-9-2019

في ظل هذه المحنة التي جاءت قهراً وغلاء معيشة وسوء استهلاك, كان لا بد للمرأة أن تكون بعقلية جدّتها إدارية ومدبرة تجاهد داخل مملكتها وتستكمل حلمها لتقطف شهده، المرأة السورية لا تعرف اليأس أو المستحيل, إذ تسخّر ما بين يديها وتبدع في فنون العيش وتبتكر الطرق والأساليب، فيكون عندها بعض التنازلات عن مطالب وكثير من النفقات وتركز على الأولويات والتي يمكن لنصفها أن يستنزف الراتب ويزهق روحه في العشرة الأولى من أيام الشهر، فتعالج الوضع وتعيش (كل شهر بشهر).

* أم مجد، مدرّسة: عاجز أي مفكر وخبير اقتصادي وفيلسوف زمانه أن يدبر أمرنا وسط هذا الغلاء ودخلنا الخجول الذي نحاول فيه ستر الحال والاكتفاء ببعض الحاجيات الضرورية كالمأكل وقليل جداً فيه لباس جديد، إذ تأتيك الأقساط والفواتير ومستلزمات المدارس وغيرها من الصرفيات وجميعها من الضروريات لكن يجب علينا البحث فيها عن الأولويات (وهون حليها إذا كنت شاطرة) وليس بيدي حل غير الدروس الخصوصية وإضافة عليها أذهب أيام العطل إلى بيت أهلي أساعد والدتي في زراعة الأرض وجني الثمار، فأوفر بعض حاجات المطبخ من المونة والخضار التي فيها توفير كبير، وأظن أن ما أفعله هو الاقتصاد المنزلي (بحق) غير بالحيلة لا نقدر أن نعيش.

* السيد أكرم، موظف: أعرف أن الاقتصاد المنزلي هو التكيّف مع الموارد المتاحة لتلبية الاحتياجات الناقصة والمفروضة علينا لأجل الاستمرارية والبقاء، ننفق المال على حاجاتنا التي لا نهاية لها في عصر نسعى فيه لمزيد من الراحة والسعادة لأجل الأولاد ونزيدهم غنجاً ودلالاً، وليس بحوزتنا غير راتب سقيم ليس قادراً على المواجهة والصمود أمام هذا الغلاء الفاحش، فنضطر لأعمال أخرى أنا سائق تكسي في المساء وزوجتي أراها اليوم مدبرة وخبيرة بالاقتصاد المنزلي، حيث تعلمت في إحدى الدورات الحياكة والخياطة لتقوم بعدها بالرتق وتركيب السحابات وتقصير البنطال و.. أعمال بسيطة بأجر بسيط لكن مستورة والحمد لله، كما أنها تطفئ الأنوار وتكمل على الحنفيات لأجل التوفير ومنع الهدر وغيرها الكثير مما يمكن الحصول على التوفير في عروض بالأسواق.
* الدكتورة غيداء سلمان، جامعة تشرين، حدثتنا بداية عن الاقتصاد المنزلي الذي يأتي كحل إسعافي لمشاكلنا وهمومنا اليومية، كما أشارت إلى بعض التوصيات، فقالت: يقول المفكر العربي ابن رشد في أحد كتبه وهو الذي عاش قبل ما يناهز الألف عام: إن سبب تراجع الاقتصاد الوطني للدولة في زمانه كان عدم مشاركة المرأة في الإنتاج الاقتصادي، ولكن الإحصائيات تشير إلى أن حضور المرأة الاقتصادي لا يوازي حضورها الحقيقي في المجتمع كصاحبة عمل، وهذه الفجوة تعود في جذورها ليس إلى أسباب اقتصادية فقط, بل إلى تمييز اجتماعي غير خافٍ على أحد، ولو بحثنا عن دور المرأة الاقتصادي لوجدنا أن المرأة منذ القدم كانت حاضرة في أهم المفاصل التي مر بها المجتمع، وما نشاهده اليوم يبقي المرأة السورية مثالاً يحتذي به العالم أجمع.
* الاقتصاد المنزلي مفهوم نتداوله هذه الأيام كثيراً,، ماذا يقصد به، وما دور المرأة فيه؟
** الاقتصاد المنزلي أو الاقتصاد الريفي، والذي يرتبط عضوياً بجملة العمليات الإنتاجية التي تمارسها الأسرة وتحديداً المرأة التي كان لها الدور الأبرز في رسم معالم تطور هذا الشكل من الإنتاج الذي يقوم على التشارك والتعاون ضمن الأسرة وخارجها، وهنا ننوه بأن الاقتصاد المنزلي القائم على عمل النساء على نحو كبير أنه ومن الممكن أن يقوم بتوظيف المساحات الفارغة لإنتاج بعض الخضراوات وتربية بعض الحيوانات والطيور لسد بعض من حاجات الأسرة لا سيما في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى الدخل وزيادة معدلات البطالة، ولكن الاقتصاد المنزلي لا يقف عند هذه الحدود، إذ إنه إضافة إلى اشتغاله على تصنيع وإنتاج الموارد الزراعية والحيوانية وتحويلها إلى سلع للاستهلاك الذاتي والتسويق, فقد تطور ليشمل الإنتاج الحرفي، حيث نرى بعضاً من تجلياته في ظل الحرب الدائرة والاختناق الاقتصادي الذي باتت أغلب الأسر تعاني منه, فقد ظهر شكل إعادة تدوير الألبسة البالية مثلاً، أو استخدام مواد طبيعية لصنع مواد تزيينيه بأقل التكاليف ومن ثم بيعها وبالتالي إيجاد مصدر آخر للدخل يشكل رديفاً لدخل الأسرة.
نعلم أن الاقتصاد المنزلي كان يعبر في طبيعته عن مرحلة تاريخية سابقة، وأسباب استعادته في اللحظة الراهنة تعود إلى الأزمة التي يعانيها السوريون، وبالتالي فإن الهدف من استحضاره هو ترشيد الإنفاق والاستهلاك وتوجيه الأسرة لإنتاج ما تحتاج إليه من مواد استهلاكية أساسية غذائية وطبية بديلة، وكما يرمي بمستوى آخر إلى التخفيف من النزعة الاستهلاكية المرتبطة بحركة الأسواق.
وقد بات واضحاً أن الأزمة التي تعصف بسورية تسهم في استعادة وتطوير الإنتاج المنزلي، كونه يسهم في ترشيد الإنفاق والاستهلاك، واستعادة التلاؤم مع معدلات الدخل.
وهنا لا بد من التأكيد على بناء ثقافة استهلاكية جديدة، تقوم على ترشيد وضبط العادات الاستهلاكية والاعتماد على ما يمكن توليده وإنتاجه داخل المنزل، وكيفية تدوير بقايا المواد والسلع المستهلكة، والاكتفاء بالحاجات الضرورية والتخلي عن العادات الاستهلاكية التي تتجه إلى الشكليات والمظاهر التي باتت من سمات الأسرة السورية.
* ما هي معوقات تطوير الاقتصاد المنزلي؟
** سيادة الميول الاستهلاكية وتفضيل المنتجات الجاهزة عند غالبية الأسر السورية، ميل غالبية الأسر إلى رفض فكرة العمل في الصناعات المنزلية, ارتفاع الأسعار وكذلك انخفاضها يؤدي إلى انهيار كافة أشكال الإنتاج البسيط وذلك لعدم توافر رأس مال يكفي لدعم المشاريع الأسرية، جشع التجار واحتكارهم السلع الأساسية، تراجع قيمة الليرة وكذلك الدخل، تراجع دور المؤسسات المتخصصة عن دعم المشاريع الأسرية، ولا ينسى القيمون على الاقتصاد المنزلي إشراك الأبناء بهذه المسؤولية وخاصة عند تقسيم الميزانية الخاصة بهم وتحديد بنود الصرف ليخوض الأبناء تلك التجربة وهذا بالضرورة سيحفز الأبناء على الادخار والتوفير والاستغناء عن بعض الكماليات وخاصة في الظروف الاقتصادية الحالية.
ومصروف البيت .. من الأجدر على إدارته
إدارة مصروف العائلة قضية هامة ومعقدة ولا بد من التفكير ملياً لفك شيفرة صرفيات المنزل دون مشقات وعراقيل ليصل الأمر إلى بر الأمان وخصوصاً أن الأسعار دائماً في ارتفاع واشتعال.
السؤال: أي من الزوجين الأجدر والأقدر على إدارة الأمور المالية المنزلية؟
* السيدة سارا: المنزل مؤسسة اجتماعية مشتركة يديرها شخصان، يجب أن يكونا متفقين ومتفاهمين على الوجه الأمثل كي تصل الرحلة الشهرية للأسرة إلى بر الأمان، المصاعب المادية تجعل الإنسان محبطًاً منهكاً إضافة إلى الهموم الكثيرة التي يعاني منها واستحالة توزيع الدخل بين الحاجات الأساسية ما يدفع الأسرة للاستغناء والتغاضي عن الكثير من الكماليات وإعادة النظر في الكثير من الأمور المنزلية، ولتصل الأسرة إلى بر الأمان لا بد من التعاون بين المرأة والرجل وضبط المصروف بما يتناسب مع الدخل وميزانية الأسرة لتلافي الوقوع في العجز.
* السيدة منى: تدبير أمور العائلة يستحيل ضبطها في هذه الظروف، الغلاء فاحش والراتب بالكادر يسد النفقات الهامة لذلك أحرص دائماً على عقد اجتماع عائلي بالتشارك مع زوجي وأولادي لتخفيف اللوم إن حدث أي تقصير وتفادي الوقوع في متاهة الديون وأحدد ميزانية خاصة، يتم تقسيمها حسب الأولويات ابتداءً من الأكل والشرب وفواتير الماء والكهرباء والهاتف مروراً ببعض الألبسة الضرورية ويجب عدم نسيان الواجبات الاجتماعية الطارئة، وهكذا يمكننا العيش بسلام مادي بدلاً من الحاجة والحرمان.
* السيد خالد، مدرس: المصروف المنزلي هو الطرف الرابع الذي يشارك العيش في جميع المنازل بعد الزوج والزوجة والأولاد فهو حاضر في كل لحظة، وقد يكون مدمراً لسعادة وهناء العائلة لوجود بعض المنغصات بسبب سوء التدبير وبرأيي الزوجة هي الأجدر باعتبارها ملمة بكل الأمور ومتفهمة لأهمية الأشياء وضرورة وجودها ولا أظن أنه ضعف أو استسلام التنازل لها عن القيادة ففي النهاية هي الملجأ الأخير لكل أوجاع العائلة وهمومها والحريصة على العيش بسلام دون اللجوء إلى طلب المساعدة من الآخرين.
* ترى غنوه أنها مسؤولية مشتركة ولكل أسرة إمكانية محددة وقدرة مالية وإدارة هذه الأمور لا تقل أهمية عن مسألة العمل على تأمين المال لذلك يجب اتباع عدة خطوات عملية لضبط ميزانية المنزل ولا يهم الشخص قد يكون أحد الأبناء يملك القدرة وحسن الإدارة والتدبير، ومن حق الزوج أن يحتفظ بالقليل من المدخرات حرصاً على عدم الوقوع في مطبات الحياة والشعور بالعجز والتقصير في حال حدوث أي طارئ طبعاً بعلم الزوجة والاتفاق معها.
* أنس: مسؤولية تقسيم وتوزيع الراتب الشهري ودفع الأقساط أصعب مهمة كلفت بها في حياتي ولم أستطع تدبير الأمور، وكنت دائماً أقترض على الراتب من زملائي وأخوتي حتى وصلت إلى مرحلة العجز تماماً ولكن وهذا ما أريد أن أعرفه كيف تمكنت زوجتي من إعادة التوازن والسيطرة وتصحيح أخطائي، لذلك أقول إن المرأة هي الأجدر دائماً على القيام بهذه المهمة.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار