الوحدة – رفيف هلال
عام مرّ على سوريا الجديدة، عام تتنفس فيه البلاد بين أنقاض الأمس وخطوات الغد. في هذه الذكرى تُستعاد شهادات من عاشوا التحولات في جسد الوطن وروحه، ومنهم الطبيب والأديب عوني الشامي، ابن حماة واللاذقية، الذي كتب تاريخه وتجربته بصدق لا يبتغي من ورائه منصباً ولا مكسباً.
يبدأ حكايته من شباط 1982، يوم ولد في حماة تحت القصف، لا بين زغاريد الولادة. أمّه ضُربت على الحاجز، وعجوز من الجيران قطعت حبله السري بعد أن مُنع الأطباء من الوصول. جدّه قُتل في المجزرة، وظل وجهه رمزاً لا يغيب. طفولته كانت مشبعة بالخوف، والجدران تهمس بالرعب أكثر مما تهمس بالعلم.
ثم ينتقل إلى العام 1983 حين اعتُقل والده فور عودته من بعثته الدراسية، وظل الاعتقال والملاحقة جزءاً ملازماً للعائلة. يروي كيف كتب في شبابه ورقة ينتقد فيها الحكم، ثم أحرقها خوفاً. تلك اللحظة كانت بداية وعيه السياسي.
في جامعة حلب بدأ يرى اتساع البلاد وتنوعها، بين نشاط سياسي محدود، ومخبرين، ووعود حرية كاذبة. وقف مرة في مؤتمر طلابي وانتقد السلطة، فاستدعاه الأمن وأُجبر على توقيع تعهد حزبي. كتب من التجربة قصيدة ساخرة تشبه صرخة احتجاج.
عاد إلى اللاذقية ليتابع اختصاصه الطبي، وهناك وجد صداقات واسعة واتساعاً ثقافياً دفعه أكثر نحو الشعر. كان البحر نافذته على حرية كان يحلم بها.
في رمضان 2011، اعتقل على حاجز أمني قرب حماة. يتحدث عن التعذيب الأول، عن الزنزانة الضيقة، وعن رحلة بين الأفرع انتهت بمتلازمة نفسية لازمته سنوات. يصف الحرب النفسية التي مورست عليه، وبخاصة حين حاول المحققون إيهامه بأن زوجته معتقلة. يعتبر تلك اللحظة الأشد قسوة في حياته، ودعا حينها أن يكون الموت رحمة إن لم يُفتح باب الفرج.
تنقّل بين أفرع الأمن ثم إلى السجن المركزي. اكتشف أن التقارير التي اتُّهم بها كتبها أشخاص ظنّهم أصدقاء. ورغم وضعه كسجين، عالج أحد المحققين من مرضه، مؤكداً أن قَسَم الطب لا يسقط حتى في أحلك الظروف.
خرج لاحقاً بجهود والده وبما تبقى للعائلة من مال، ثم اضطر إلى مغادرة سوريا عام 2012 إلى السعودية، حيث عمل في مشاريع طبية وإنسانية عبر منظمات الأطباء السوريين، فكانت تلك الأعمال عزاءً يعيد إليه معنى الطب ومعنى الحياة.
ظلّت حماة جرحه الأول، واللاذقية منفذه للهواء. وبعد أربعة عشر عاماً عاد إلى وطنه في كانون الأول 2024 بعد تحرره. نشر ديوانه الثاني، وأطلق قصائد بقيت مخنوقة طويلاً، مؤمناً بأن الجمهورية الجديدة تحتاج كلمة حرة وعقلاً يعمل.
ويختم بأن الوطن يشبه الصبار: يجرح لكنه يثمر، وأن حبّه قدر لا يُفلت.